مظاهر تعظيم الله تعالى
عبدالرحمن سليمان المصري
مظاهر تعظيم الله تعالى
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله: إن الإيمان بالله تعالى مبني على التعظيم والإجلال لله عز وجل ، فتعظيم الله في القلوب وإجلاله في النفوس ؛ من أعظم العبادات القلبية ، التي يجب تحقيقها والقيام بها ، فلا يصح الإيمان ولا يستقيم الدين ؛ إلا إذا مليء القلب بتعظيم رب العالمين ، وكلما ازداد المرء بالله علما ؛ ازداد له تعظيما وإجلالا ، وقد علم ملائكته أجمعون عظمته سبحانه ؛ فخافوه وأذعنوا له ، وعظموه وسبحوه ، فهذا جبريل عليه السلام يخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى ، وجبريل كالحلس البالي من خشية الله تعالى " حسنه الألباني ،أي كالثوب البالي؛ تعظيما وإجلالا لله جل وعلا.
وأما رسل الله وأنبياؤه عليهم السلام ؛ فإنهم لما عرفوا الله حق معرفته ؛ عظموه حق تعظيمه، فاجتهدوا في عبادته، ودعوا أقوامهم إلى توحيده ومحبته، وخوفوهم من نقمته وسطوته ، وبشروهم برضوانه وجنته.
عباد الله : إن أكبر علامات تعظيم العبد لله تعالى ؛ هي توحيد الله عز وجل ، وعبادته وحده لا شريك له، والخلوص من جميع أنواع الشرك صغيره وكبيره، قال تعالى: ﴿ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين * ﴾الزمر:65 – 67.
عباد الله: ومن مظاهر تعظيم الله تعالى ؛ تعظيم كلامه، فقد عظمه الله بقوله ، ﴿ بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ ﴾، وهو أعظم كتب الله المنزلة ومهيمن عليها ، نزل به أعظم ملائكته ، على خير رسله ،
بأفصح بيان، لخير أمة أخرجت للناس ، محفوظ بحفظ رب العالمين ، ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾.
وإن تعظيم القرآن يكون بمحبته والإيمان به، وتصديق أخباره، واعتقاد كماله وتمامه، والاستسلام التام لحكمه وشرعه، والتحاكم إليه عند الاختلاف ، وجعله منهج حياة، وسبيل نجاة، وألا يمسه إلا طاهر ، وأن لا يعرضه للامتهان.
عباد الله: ومن مظاهر تعظيم الله تعالى؛ تعظيم المساجد ، أضافها الله إلى نفسه تشريفا وتكريما، وشهد لعمارها وروادها بالإيمان ، فيها يعبد الله ويوحد ، ويعظم ويمجد ، هي مهبط رحمته ، وملتقى ملائكته والصالحين من عباده، ولشريف مكانتها شرع لقاصدها من الآداب والسنن رعاية لحرمتها .
ومن تعظيم المؤمن للمسجد؛ التزين لها بما يستطيع من الثياب والطيب والسواك ، فلا يأتي إلى المسجد بقميص نومه ، أو ثياب مهنته ، أو بالملابس الرياضية وخاصة القصير منها ، بل يشرع التجمل لها ،﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ ، وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله أحق من تزين له" .
ومن تعظيم المساجد ؛ اجتناب المؤمن للروائح الكريهة في ملبسه ومأكله وجسده ، فلا يؤذي إخوانه المصلين ، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، والحذر من التشويش على المصلين وقطع خشوعهم ؛ برفع الأصوات أو بنغمات الجوال ، فليعظم المؤمن بيوت الله فهي علامة على تعظيم الله جل وعلا ، ﴿ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب ﴾.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله: ومن مظاهر تعظيم الله تعالى في قلوب عباده ؛ تعظيم فرائضه، والصلاة هي أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين، ومن عظمة قدرها وشرفها ؛ أن الله فرضها على أمة الإسلام من فوق سبع سماوات ، ومن تأمل أركان الصلاة وواجباتها وسننها، وما يسبقها من الاستعداد لها بالوضوء والطهارة ، وما يتبعها من الأذكار والسنن ؛ لرأينا أن كلها تعظيما لله وتكبيرا لجلاله.
عباد الله : ومن تعظيم المؤمن للصلاة ؛ المحافظة على إقامتها في المساجد ، والتبكير إليها ، والحرص على الصف الأول، وانتظار إقامة الصلاة ، والاشتغال بالذكر والنوافل وقراءة القرآن ، فكل ذلك من التهيؤ والاستعداد لها ،﴿إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ﴾المؤمنون: 61.
وليتجنب المؤمن الخوض في حديث الدنيا ، أو البيع والشراء ، أو الغيبة وأذية الناس .
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم :" يكون في مهنة أهله، تعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " رواه البخاري وكان يقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال" ، وقال :"جعلت قرة عيني في الصلاة" .
عباد الله: ومن تعظيم المؤمن للصلاة ؛ أن يستشعر وقوفه بين يدي ربه جل وعلا ، قال صلى الله عليه وسلم :" إذا كان أحدكم في الصلاة، فإنه يناجي ربه " رواه مسلم.
وليصلي المؤمن صلاة خاشعة ، فالخشوع هو لب الصلاة ، والأجر على قدر خشوعه ، ﴿ قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾
والخشوع هو إقبال المسلم على الصلاة بقلبه، مستحضرا عظمة الله تعالى، ومتدبرا في معاني الآيات ، ومتفكرا في جميع الأقوال والأفعال المشروعة في الصلاة ، مع المحافظة على أحكام الصلاة.
قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهم ا: كانوا إذا قاموا في الصلاة ، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، وعلموا أن الله يقبل عليهم، فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا .أ.هـ.
عباد الله : إن تعظيم ما عظمه الله عز وجل ، من الأقوال والأفعال ، والأزمنة والأماكن والأحوال ، هو من تعظيم الله عز وجل ، قال تعالى:﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه﴾ ، وقال :﴿ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1757618175_مظاهر تعظيم الله تعالى.docx
1757618175_مظاهر تعظيم الله تعالى.pdf