من بعد ما قَنَطُوا 28 ـ 6 ـ 1447هـ

عبدالعزيز بن محمد
1447/06/27 - 2025/12/18 14:09PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيها  المسلمون: رَبُنَا رَحِيْمٌ كريمٌ، تَتَابَعَ إِحْسَانُهُ، وَعَظُمَ إِنْعَامُهُ، وَظَهَرَ بِرُّه، وكَثُرَ خَيْرُه، فلا إِله غَيرُهُ.  أَجْدَبَت الأَرضُ حِيْناً وَخَشَعَتْ، وأُمْسَكَتِ السَّمًاءُ عَنِ المَطَرِ وأَقْلَعَتْ، واشْرَأَبَّتِ النُّفُوْسُ تَرْجُوْ مِنَ اللهِ غيثًا مُغيثًا، مَرِيئًا مَريعًا نافعًا، فأرسل اللهُ الرِّياحَ المبشراتِ لتثيرَ سحاباً {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}

أَرَأَيْتُم ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ؟ وَأَسْدَى لَكُمْ مِنْ خَيْرٍ؟  وَأَجْزَلَ لَكُمْ مِنْ عَطَاءٍ؟  سَقَى ظَمَأَكُمْ، وأَحْيى أَرْضَكُمْ، وأَذْهَبَ يَأَسَكُمْ، مَنْ إِلهٌ غَيْر اللهِ يأتِيْكُمْ بِه؟  أإلهٌ مَعَ الله؟   تَعَالى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُوْن {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} نِعَمٌ مَا لِلعِبَادِ سَبِيْلٌ إِلى إِدْرَاكِهَا، تَفَضَلَ بها ربُّ العَالَمِيْنَ {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}

   يَا فَاطِرَ الخَلْقِ البَدِيْعِ وَكافِلاً ... رِزْقَ الجَمِيْعِ سَحَابُ جُوْدِكَ هَاطِلُ

يَا مُسْبِغَ البِّرَ الجَزِيْلَ ومُسْبِلَ الْـ ... سِّتْرَ الجَمِيْلَ عَمِيْمُ طَوْلِكَ طَائِلُ

يَا عالمَ السِّرَّ الخَفِيَّ وَمُنْجِزَ الـ ... وَعْدَ الوَفِيَّ قَضَاءُ حُكْمِكَ عَادِلُ

عَظُمَتْ صِفَاتُكَ يَا عَظِيْمُ فَجَلَّ أَنْ ... يُحْصِيْ الثَّنَاءُ عَلَيْكَ فِيْهَا قَائِلُ

وفي إِنْزَالِ المَطَرِ عَظِيْمُ آياتٍ للمُتَفكِّرين. آياتٌ تُدُلُّ على عَظمةِ فَاطرِ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ، سَحابٌ مُسَخرٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، يَـجْرِيْ بِأَمْرِ اللهِ إِلى حيثُ أَرَادَ اللهُ، ومِنْ بَيْنِ رُكامِ ذاكَ السَحابِ يُنْزِلُ اللهُ ماءً زُلالاً، فَيُصِيْبُ بِهِ مَنْ شاءَ مِنْ عِبادِهِ، ويَصْرِفُهُ عَمن يَشاءُ. {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}

يُنْزِلُ اللهُ ماءً طَهُوراً. فَبِهِ تَحْيا أَرضٌ كانَتْ مَيْتةً، وتَهْتَزُّ أَرْضٌ كانَتْ خاشِعَةً، ويُنْبِتُ اللهُ بِهِ الزَّرْعَ ويُخْرِجُ بِهِ مِنْ كُلِّ الثَمَراتِ. دلائِلُ على رُبُوبِيةِ اللهِ ووحدانِيَّتِهِ وأُلُوهِيته، وعلى قُدْرَتِهِ وقُوَّتِهِ وعَظَمَتِه، وهِيَ مِنْ أَعَظَمِ الدلائِلِ الحِسِيَّةِ المُشاهَدَةِ على قُدْرَةِ اللهِ وأَنَّهُ يَبَعْثُ مَنْ في القُبُور. وأَنَّهُ يُحِيي الأَجْسادَ بَعدَ انْحِلالِها، كَما يُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوتِها {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

* ومِنَ الآياتِ التي تَتَجَلَّى في إِنْزالِ المَطَر، آياتٌ يُبْصِرها مَنْ تَفَكَرَ وتأَمَلَ واعْتَبَر.

كَيْفَ يُنْزِلُ اللهُ مَطَراً فَيُصِيْبُ بِهِ مَساحاتِ شاسِعَةِ مِن الأَرْضِ، ثُمَّ تَتَبايَنُ الأَماكِنُ وتَخْتَلِفُ البُقَعُ، فَمِنْها ما هُوَ طَيِّبٌ، فَيَطِيْبُ نَماؤُهُ ويَزْدَهِرُ عَطاؤُه، ومِنْها ما هُو خَبِيْثٌ، قِيْعانٌ، لا يُمْسِكُ ماءً فَيْشربُ النُاسُ والأَنْعامُ مِنْهُ، ولا تُنْبِتُ كَلأً وزَرْعاً  {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} وَكَذَا القُلُوبُ في اسْتِجابَتِها لَما أَنْزَلُهُ اللهُ إِليها من وحيٍ وقُرآنٍ وذِكْرٍ وهِدايَةٍ. مِنْها ما هو طَيِّبٌ قَبِلَ الحَقَّ فأَنارَ وأَشْرَق، ومِنْها ما هو خَبِيْثٌ، لْمْ يُمْسِكْ هِدايَةً، ولَمْ يُثْمِرْ صلاحاً وتَقوى. عَنْ أَبِي مُوسَى رَضيَ اللهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ  المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» متفق عليه

وَنُزُوْلُ الغَيْثِ مِنَ أُمُورِ الغَيْبِ التي لا يَعْلَمُهَا إلا الله، فلا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيرَ اللهِ: مَتَى، ولا أَيْنَ، ولا مِقْدَارَ ما سَيُنْزِلُهُ مِنْ غَيْثٍ {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}  وما يَصْدُرُ مِنْ تَوَقُّعاتٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْصادِ، مِنْ نُزُولِ مَطَرٍ، أَو حُلُولِ بَرْدٍ، أَو تَغَيُّرِ طَقْسٍ، إِنَّما هُو اسْتِنْتاجٌ وتَوَقُّعُ وتَقْدِيْرٌ، مُسْتَمَدٌّ مِنْ قِراءَتِهِم للتغَيُراتِ الجَوِّيَةِ والتَقَلُّباتِ المُناخِيَةِ، وهو لَيْسَ مِنْ الكِهانَةِ ولا مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الغَيْبِ، وإِنَّما هُو تَفْسِيْرٌ لما تَعَلَّمُوهُ مِنْ سُنَنِ اللهِ التِي أَجْراها في الكَون. وقَدْ يُصِيْبُ ظَنُّهُم وقَدْ يُخطِئُ، ولا يَجُوزُ القَطُعُ والجَزْمُ بِما يَتَوَقَّعُون. قالَ ابْنُ بازٍ رحمه الله: (والأَرْصَادُ لَـها دَلائِلُ، إِذَا قَالُوا فِيْهَا ــ إِنْ شاءَ اللهُ ــ وَهُمْ علَى طَريقةٍ مُتَّبَعَةٍ يَعْرِفُونَـها؛ فَمَا تَكونُ مِنْ دَعْوى عِلْمِ الغَيْبِ، وَلا يَـجُوزُ الجَزْمُ بِـهذَا، بَلْ يَقُوْلُونَ: بِإِذْنِ اللهِ، وأَمَّا الجَزْمُ بِـهذَا لا..)ا.هـ {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}  بارك الله لي ولكم بالقرآن..  

 

الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إِلا الله ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبدهُ ورَسُولُهُ النَّبيُّ الكَرِيم، صلى الله وسلم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ أَجمعينَ وسلمَ تَسْلِيْماً.  أَما بعدُ: فاتَّقُوا الله عِبادَ اللهِ لعلكم ترحمون.

أيها المسلمون: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أَعْقلُ النَّاسِ مَنْ أَبْصَرَ فَتَبَصَّر، ونَظَرَ فَتَفَكَّر، وأَطالَ التأَمُلَ في قُدْرَةِ اللهِ وعَظِيْمٍ إِحْسانِهِ لِعِبادِه.

هذا الغَيْثُ الذِيْ أَنْزَلَهُ اللهُ على عِبادِهِ، يَجِبُ على المُؤْمِنِ أَنْ يَعْلمَ أَنَّهُ إِنَما نَزَلَ بِأَمْرِ اللهِ وفَضْله، وأَنَّهُ لاحَوْلَ ولا قُوَّةَ لأَحَدٍ مِن الخَلْقِ في إِنْزالِهِ. وأَنْ الخَلائِقَ أَجْمَعِيْن، لَو اجْتَمَعُوا على أَنْ يُنْزِلُوا قَطْرَةً واحِدَةً مِن السَماءِ لَمْ يَقْدِرُوا عليها.

فَلَولا اللهُ لَما سارَ بِالغَيٍثِ سحابٌ ولا أَشْرَقَتْ بالغَيْثِ أَرْض. ولِذا لا يَجُوزُ نِسْبَةُ إِنْزالِ المَطَرِ إِلى الأَنواءِ، ولا إِلى شَيءٍ مِنَ الأَسْبابِ المادِيَّةِ، كأَنْ يُقالَ نَزَلَ المَطَرُ لأَجْلِ المُنْخَفَضَاتِ الجَوِّيَةِ، أَو نَزَلَ بفَضْلِ السُحُبِ الرُّكامِيَةِ. وإِنما تِلكَ أَسْبابٌ أَوجَدَها اللهُ، وهو قادِرٌ على أَنْ يُبْطِلَها. عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ــ أَيْ على إِثْرِ مَطَر ــ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» متفق عليه 

واسْتِبْشارُ العِبادِ بِنُزُولِ المَطَرِ أَمْرٌ مَحْمُودٌ، وهُوَ مِنْ فَرحِ الفَقِيرِ بإِنْعامِ الغَنِيِّ، ومِنْ فَرَحِ الضَّعِيْفِ بَمَددِ القَوِيِّ، ومِنْ فَرَحِ المَلْهُوفِ بغَوْثِ الكَرِيْمِ ــ سُبْحانَهُ وبِحَمْدِه ــ وقَدْ قالَ اللهُ سُبْحانَهُ: { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} ولَكِنَّ الفَرَحَ يَجِبُ أَنْ يَقْتَرِنَ بالشُّكْرِ، ولا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِنَ بالكُفْرِ بالنِّعَمِ والبَطَر بِها.

فَما شَكَرَ اللهَ مَنْ تَمَتَّعَ بِعَطاءِ اللهِ، ثُمَّ بارَزَهُ بالذَّنْبِ والمَعْصِيًةٍ والمُنْكَر. يَتَقَلَّبُ في أَرضِ اللهِ يُشاهِدُ فَضْلَ اللهِ، وهوَ يُجاهِرُ بأَصْواتِ المعازِفِ، أَو يُرْسِلُها مُقْتَرِنَةً بِصُورٍ تَسْرِيْ وتَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ. أَو تَخُرُجُ المرأَةُ لتَتَنَزَّهَ ولِتَسْتَمْتِعَ بِمُشاهَدَةِ آثارِ رَحْمَةِ اللهِ التي أَنْزَلَها، فَتَخْرُجُ مُتَبَرِّجَةً لا تُبالِيْ بِما تُحْدِثُهُ بَيْنَ الرِجالِ مِنْ فِتْنَةِ. أَو يَخْرُجُ المرءُ فَيَسْهُو عَنْ صَلواتِه، ويُفَرِطُ في الحِفاظِ عليها في أَوقاتها.

عباد الله: إِنَّ الذي أَنزَلَ الغيثَ مِنْ بعدِ طولِ جَدْبٍ، قَادِرٌ على أَنْ يُنْزِلَ العافِيَةَ بَعْدَ طُولِ بلاءٍ. وعلى أَنْ يُنِيْلَ السَّعَةَ بَعْدَ طُولِ ضِيْقٍ، وعلى أَنْ يُزِلَ الكَرْبَ بَعْدَ طُولِ أَلَم.  فَثِقْ باللهِ وأَحْسِنَ الظَنَّ بِهِ واعْلم أَنَّ الله على كُلِّ شيءٍ قَدِيْر.

اللهم لك الحمدُ على سابِغِ نِعَمِك، ولك الحمدُ على سابقِ ولا حقِ فضلك.

لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كل حال.

اللهم..

المرفقات

1766056158_من بعد ما قَنَطُوا 28ـ 6 ـ 1447هـ.docx

المشاهدات 474 | التعليقات 0