موت العالم ثلمة في جدار الأمة

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَفَعَ الْعُلَمَاءَ دَرَجَاتٍ، وَجَعَلَهُمْ وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ.. إِنَّ لِلْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً، وَمَقَامًا رَفِيعًا، وَمَكَانَةً فِي الْإِسْلَامِ. لَقَدْ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[، وَجَعَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ".

الْعُلَمَاءُ هُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، بِهِمْ تُحْفَظُ الشَّرِيعَةُ، وَتَنْجَلِي الشُّبُهَاتُ، وَتَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى الْعِبَادِ. هُمْ الَّذِينَ يُبَيِّنُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيَقُودُونَ الْأُمَّةَ إِلَى بَرِّ الْأَمَانِ عِنْدَ الْفِتَنِ وَالشَّدَائِدِ.

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ مَوْتَ الْعَالِمِ لَيْسَ كَمَوْتِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عِلْمُهُ إِلَّا مَا خَلَّفَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ طَالِبِ عِلْمٍ، وَيُعَدُّ فَقْدُهُ ثُلْمَةً فِي جِدَارِ الْأُمَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".

قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الْمَاضِي بِوَفَاةِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ آلِ الشَّيْخِ – مُفْتِي الدِّيَارِ السُّعُودِيَّةِ.
رَحَلَ عَنَّا عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ فَقِيهٍ بَيْنَ الْكُتُبِ، بَلْ كَانَ ضَمِيرًا لِلْأُمَّةِ وَلِسَانًا مُبِينًا، يُضِيءُ الْقُلُوبَ بِعِلْمِهِ، وَيَهْدِي النَّاسَ بِحِكْمَتِهِ، وَيَجْمَعُ الْكَلِمَةَ بِفَتَاوَاهُ الْوَسَطِيَّةِ.

كَانَ مَدْرَسَةً فِي التَّوَاضُعِ وَالسَّكِينَةِ، يَزِنُ كَلِمَاتِهِ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ وَالرَّحْمَةِ، لَا يَقْصُرُ عِلْمَهُ عَلَى الْخَاصَّةِ بَلْ يَفِيضُ عَلَى الْعَامَّةِ، يُيَسِّرُ وَلَا يُعَسِّرُ، وَيَجْمَعُ وَلَا يُفَرِّقُ. إِذَا تَكَلَّمَ أَحْيَا الْقُلُوبَ، وَإِذَا أَفْتَى أَزَالَ الْغُمُوضَ، وَإِذَا ابْتَسَمَ جَبَرَ الْخَوَاطِرَ.

وُلِدَ سَمَاحَةُ الْمُفْتِي يَتِيمًا، لَكِنَّ الْيُتْمَ لَمْ يُضْعِفْ قَلْبَهُ، بَلْ كَانَ شَرَارَةً أَشْعَلَتْ عَزِيمَتَهُ، وَصَقَلَتْ شَخْصِيَّتَهُ. فِي أَحْضَانِ أُمٍّ صَابِرَةٍ حَنُونٍ، تَعَلَّمَ مَعْنَى الْقُوَّةِ فِي ثَوْبِ الرَّحْمَةِ، وَحَمَلَ مُنْذُ الصِّغَرِ مِشْعَلَ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ. كَانَ يُتْمُهُ مَنْبَعًا لِلْبَأْسِ لَا لِلِانْكِسَارِ، وَمِنْ مَدْرَسَةِ الطُّفُولَةِ خَرَجَ قَلْبٌ رَحِيمٌ وَعَقْلٌ رَاسِخٌ.

وَحِينَ اشْتَدَّ عُودُهُ، ارْتَقَى لِيُصْبِحَ لِسَانَ الْأُمَّةِ الصَّادِقَ، وَفَقِيهَهَا الْمُضِيءَ، وَخَطِيبَهَا الَّذِي يَهْدِي الْقُلُوبَ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ.

كَانَ حَاضِرًا فِي حَيَاةِ النَّاسِ، قَرِيبًا مِنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، مُسْتَشَارًا أَمِينًا، وَمُوَجِّهًا بَارِزًا يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، يَنْصَحُ بِصِدْقٍ وَيَصْدَعُ بِالْحَقِّ بِرِفْقٍ وَحِكْمَةٍ. رَبَطَ حَاضِرَ الْأُمَّةِ بِمَاضِيهَا، وَاسْتَشْرَفَ مُسْتَقْبَلَهَا بِعَقْلِهِ وَبَصِيرَتِهِ.

بِرَحِيلِهِ، فَقَدَتِ الْأُمَّةُ وَاحِدًا مِنْ كِبَارِ عُلَمَائِهَا، لَكِنْ تَبْقَى سِيرَتُهُ مُضِيئَةً، وَكَلِمَاتُهُ هَادِيَةً، وَمَوَاقِفُهُ شَاهِدَةً عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ الرَّبَّانِيَّ لَا يَمُوتُ وَإِنْ غَابَ جَسَدُهُ.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ]أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا[ قَالُوا: هُوَ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ.

الأرْضُ تَحْيَا إِذَا مَا عَاشَ عَالِمُهَا *** مَتَى يَمُتْ عَالِمٌ يَمُتْ طَرَفُ
كَالأرْضِ تَحْيَا إِذَا مَا الْغَيْثُ حَلَّ بِهَا *** وَإِنْ أَبَى عَادَ فِي أَكْنَافِهَا التَّلَفُ

إِنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّيْخِ الْجَلِيلِ لَتَبْكِي لِفَقْدِهِ الأرْضُ وَالسَّمَاءُ؛ كَمَا تَبْكِي لِفَقْدِهِ الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ بِرَبِّ الأرْضِ وَالسَّمَاءِ. كَيْفَ لَا يُبْكَى لِفَقْدِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَهُمُ الَّذِينَ وَرِثُوا الْعِلْمَ عَنِ الأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ –، وَهُمُ الَّذِينَ تَحْيَا بِعِلْمِهِمْ وَدَعْوَتِهِمُ الْقُلُوبُ. كَيْفَ لَا، وَهُمْ نُورٌ فِي الأرْضِ تَسْتَبْصِرُ بِهِمُ الأُمَّةُ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَالصَّلَاحِ، وَالْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا قَدَّمَ فِي مَوَازِينِ حَسَنَاتِهِ، وَأَنْ يُخْلِفَ لِلْأُمَّةِ خَيْرًا.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. إِذَا فَقَدَتِ الْأُمَّةُ عَالِمًا رَبَّانِيًّا، فَقَدَتْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ قُوَّتِهَا، وَنُورًا مِنْ أَنْوَارِ هِدَايَتِهَا. لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُعَظِّمَ الْعُلَمَاءَ الْأَحْيَاءَ، وَتَعْرِفَ لَهُمْ قَدْرَهُمْ، وَتَنْهَلَ مِنْ عُلُومِهِمْ قَبْلَ رَحِيلِهِمْ.

وَمِنْ حُقُوقِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْنَا: مَحَبَّتُهُمْ، وَنُصْرَتُهُمْ، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِمْ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ، وَنَشْرُ عِلْمِهِمْ. وَمِنَ الْوَفَاءِ لِعُلَمَائِنَا الرَّاحِلِينَ أَنْ نَحْفَظَ سِيرَتَهُمْ، وَنَسْتَفِيدَ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِمْ، وَنُوَاصِلَ طَرِيقَهُمْ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.

فَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ لِعُلَمَائِنَا الْأَحْيَاءِ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَلِعُلَمَائِنَا الْأَمْوَاتِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَأَنْ يَجْزِيَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ عُلَمَاءَنَا، وَارْحَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَأَلْحِقْنَا بِهِمْ عَلَى خَيْرٍ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.

المرفقات

1758837306_موت العالم ثلمة في جدار الأمة.pdf

1758837317_موت العالم ثلمة في جدار الأمة.docx

1758837430_موت العالم ثلمة في جدار الأمة.docx

المشاهدات 575 | التعليقات 0