وَرَثَةُ الأَنبِياءِ وَفاةُ آل الشيخ رحمه الله 4/4/1447هـ

خالد محمد القرعاوي
1447/04/02 - 2025/09/24 12:47PM
وَرَثَةُ الأَنبِياءِ وَفاةُ آل الشيخ رحمه الله 4/4/1447هـ
الحمدُ للهِ إليهِ مَصِيرُ الخَلْقِ وعَوَاقِبُ الأُمُورِ، أَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ الحَلِيمُ الغَفُورُ, آمَنَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرَهِ, واسْتَعَنَّا بِهِ -سُبْحَانَهُ- عَلى جَمِيعِ الأُمُورِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ إلى الثَّقَلَينِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى اللهِ بإذنِهِ وَسَرَاجًا مُنيرًا، فَصَلَواتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عليهِ، وَعَلى آلهِ الطَّيِّبِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْمَيَامِينِ وَعَلى التَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يومِ النُّشُورِ. أَمَّا بَعْدُ: فَيَا مُؤمِنُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ. وَالاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
عِبادَ اللهِ: العُلَمَاءُ العَامِلُونَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ والْمُرْسَلِينَ -عَلَيْهِمْ أَزْكَى الصّلَاةِ وَالتَّسلِيمِ-؛ لأَنَّهُمْ سَبَبٌ لِحِفْظِ الدِّينِ، وَإِذَا رَأَينَاهُمْ ذَكَرْنَا اللهَ -تَعَالى-، فَقَدْ جَاهَدُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهمْ وَأَوْقَاتِهِمْ نَشْرًا للإسْلامِ وَدِفَاعًا عَنْهُ وَأَهْلِهِ، رَجَاءَ الثَّوَابِ العَظِيمِ مِنَ اللهِ الكَرِيمِ.
لَقَدْ نَهَضُوا بِنَا بِالْعِلْمِ والإيمَانِ، وَدَلُّونَا عَلى صَالِحِ الأَعْمَالِ، فَهُمْ نُجُومٌ للنَّاسِ، بَلْ هُمْ شُمُوسُ الدّنْيَا، بِهِمْ يُخْرِجُ اللهُ النّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النّورِ، وَيَجْمَعُ بِهِمْ شَمْلَ الأُمّةِ وَوِحْدَتَهَا وَصَفَّهَا. وَصَدَقَ اللهُ إذْ قَالَ: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]. بَلْ هُمْ صِمَامُ أَمَانِ الأُمّةِ، الذينَ يَصُونُونَ عِزّهَا وَكَرَامَتَهَا، وَهُمْ حِصْنٌ حَصِينٌ وَسِيَاجٌ مَتِينٌ لِمَنْ لَاذَ بِهِمْ بعدَ اللهِ تَعَالى.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الفَقْدِ عَلَى النّفُوسِ، وَأَشَدِّهِ لَوْعَةً فَقْدُ أَحَدِ العُلَمَاءِ الرّبّانِيِّينَ، وَالأَئِمةِ المُصْلِحِينَ، الذينَ جَمَعُوا بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، فَأَثَّرُوا في الأُمّةِ بِحَالِهِمْ وَقَولِهِمْ وَفِعْلِهِمْ، روى الإمِامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ، أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ ".
وَرَوَى الإمِامُ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوساً جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
وَللهِ -تَعَالى- حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ حِينَ كَتَبَ الفَنَاءَ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا قَالَ -تَعَالى-: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن:26-27]. وَلَو كَانَ هُنَاكَ اسْتِثْنَاءٌ لَكَانَ لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَلَكِنْ: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر:30].
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَعْظَمِ مَصَائِبِ أُمَّةِ الإسْلامِ فَقْدُ أَحَدِ عُلَمَائِها؛ قَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَوتُ أَلْفِ عَابِدٍ أَهْوَنُ مِن مَوتِ عَالِمٍ بَصِيرٍ بِحَلالِ اللهِ وَحَرَامِهِ". وَيَقُولُ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَوتُ العَالِمِ ثُلْمَةٌ في الإسْلامِ لا يَسُدُّهُ شَيءٌ مَا اخْتَلَفَ الَّليلُ وَالنَّهَارُ".
لأَنَّ العُلَمَاءَ لَيسُوا كَغَيرِهِمْ، فَهُمْ مَنْ رَفَعَهُمُ اللهُ وَزَكَّاهُمْ؛ فَقَالَ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]. وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11]. قَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُمُ الْمَحَبَّةَ والتَّقْدِيرَ وَالطَّاعَةَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]. قَالَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "هُمْ أَهْلُ القُرَآنِ وَالعِلْمِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: "أولُو الأَمْرِ هُمُ الفُقَهَاءُ وَالعُلَمَاءُ". وَقَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ: "أُولُو الأَمْرِ هُمُ الْوُلاةُ عَلى النَّاسِ مِنْ الأُمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ وِالْمُفْتِينَ، فَإنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ لِلنَّاسِ أَمْرُ دِينِهِم وَدُنْيَاهُمْ إلَّا بِطَاعِتِهِمْ وَالانْقِيَادِ لَهُمْ، بِشَرْطٍ ألَّا يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ اللهِ ".
عِبَادَ اللهِ: العُلَمَاءُ هُمْ مَنْ اخْتَصَّهُمُ اللهُ بالْحِكْمَةِ وَالَفَهْمِ الدَّقِيقِ والنَّظْرَةِ الثَّاقِبَةِ! كَفَاهُمْ شَرَفًا أَنَّهُمْ أَخْشَى النَّاسِ للهِ وَأَعَرَفَهُمْ بِهِ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28].
فاللهُمَّ ارزقنا علمًا نَافِعًا وَعَمَلا صالِحًا يا ربَّ العالمين، أقُولُ مَا سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكُمْ ولِلمؤمِنِينَ والْمُؤمِنَاتِ مِن كُلِّ ذَنبٍ؛ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثانية:
الحمدُ للهِ العَظِيمِ في قَدْرِهِ، عَلِيمٌ بِحَالِ العَبْدِ فِي سِرِّهِ وَجَهْرِهِ، وَأَشْهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، قَضَى بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَظْهَرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِ. أَمَّا بَعْدُ، فَأَوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ في الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ.
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ فَقَدَتْ بِلادُنَا قبلَ أَيَّامٍ عَالِمًا جَلِيلاً إنَّهُ رَئيسُ هَيئَةِ كِبَارِ العُلَمَاء فِي بِلادِنَا، وَهُوَ القَائِمُ في خُطْبَةِ عَرَفَةَ لِسَنَواتِ طِوالٍ, وَلَهُ مِن الدُّرُوسِ والْمَواعِظِ مَا كَانَتْ مَحَطَّ اهْتِمَامِ النَّاسِ, وَهُوَ أَبٌ رَفِيقٌ بِالْمَسَاكِينِ؛ فَرَحِمَ اللهُ آلَ الشَّيخِ وَأَسْكَنهُ فَسيحَ جَنَّاتِهِ, وَمَا تَنَاقُلِ النَّاسِ لِرَسَائِلِ العَزَاءِ والدُّعَاءِ لَهُ, وَذَاكَ الْحُضُورُ الْمَهِيبُ لِجَنَازِتِهِ, وَمَا أَمْرُ وُلاةُ الأُمُورِ بِصَلاةِ الْغَائِبِ عَليهِ, إلَّا عَلامَةً لِلقَبُولِ وَدَليلاً عَلى مَحَبَّةِ وُلاتِنَا وَالنَّاسِ لِلعُلَمَاءِ -بِحمْدِ اللهِ تَعَالى-.واللهُ -تَعالى- يَقُولُ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[الرعد: 41]. قَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: هُوَ مَوتُ العُلَمَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: أَهْلُ العِلْمِ يَحْمِلُونَ فِي قُلُوبِهِمْ نُصْحًا وَإخْلاصًا كَمَا وَصَفَهُمْ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِهِ: "ثَلاثٌ لا يُغَلُّ عَلَيهِنَّ قَلبُ مُسلِمٍ: إِخلاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمرِ، وَلُزُومُ الجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّ دَعوَتَهُم تُحيَطُ مِن وَرَائِهِم"(أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ).
عِبَادَ اللهِ: مِنْ عَلامَاتِ تَوفِيقِ اللهِ لِبِلادِنَا: حبُّ أَهْلِ العِلْمِ، وَذِكْرُهُمْ بِالْجَمِيلِ، وَتَوقِيرُهُمْ مِن غِيرِ عِصْمَةٍ لأَحَدٍ، وفي الخبرِ الذي صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَيسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنا، وَيَرْحَمَ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفَ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ".
عِبَادَ اللهِ: كَيفَ لا يَكُونُ مَوتُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِينَ ثُلْمَةٌ وَهُمْ مَنْ أَنَارُوا القُلُوبَ والعُقُولَ، وَأَزَالُوا غِشَاوَةَ الْجَهْلِ عَنَّا، وَنَصَحُوا للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ، وَقَادُوا النَّاسَ إلى بَرِّ الأَمَانِ والُّلحْمَةِ والطَّاعَةِ بِالمَعْرُوفِ، لَقَدْ نَصَحُوا لِلوُلاةَ فَكَانُوا خَيرَ مُوَجِّهٍ وَنَاصِحٍ، لَمْ يَبْتَغُوا بِذَلِكَ مَالاً وَلا جَاهًا؟ كَيفَ لا يَكُونُ مَوتُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِينَ ثُلْمَةٌ وَقَدْ سَمِعَ أَبُو الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
عِبَادَ اللهِ: بَقَاءُ العُلَمَاءِ وَكَثْرَتُهُمْ نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَبِلادُنَا والبِلادُ الإسْلامِيَّةُ تَزْخَرُ بِعُلَمَاءَ كُثُر، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ، رَوى ابنُ عُديٍّ -رَحِمَهُ بِسَنَدِهِ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَا ابْنَ عُمَرَ، دِينَكَ دِينَكَ، إنَّمَا هُوَ لَحْمُكَ وَدَمُكَ، فَانْظُرْ عَمَّنْ تَأْخُذُ، خُذْ عَنِ الذينَ اسْتَقَامُوا وَلَا تَأْخُذْ عَنِ الذينَ مَالُوا". وَمَعَ الأَسَفِ فَقَدْ بُلِيتْ بِلادٌ بِمَنْ يَدَّعِي فِيهَا عِلْمًا وَفِقْهًا، فَكَانُوا رُؤُوسًا جُهَّالاً قَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا! وَأَفْتَوا وَفَتَنُوا.
وَلْتَعْلَمُوا يَا مُؤمِنُونَ: أَنَّ الْحَيَاةَ والدِّينَ لا يَسْتَقِيمَانِ إلَّا بِحَاكِمٍ عَادِلٍ نَقِيٍّ، وَعَالِمٍ رَبَّانِيٍّ تَقِيٍّ، فَكُلٌّ مُكَمِّلٌ لِلآخَرِ، لِذَا كَانَ مِنْ الوَاجِبِ عَلَينَا أَنْ نَعْرِفَ قَدْرِ الْحَاكِمِ العَادِلِ، وَالعَالِمِ الرَّبَّانِي التَّقِيِّ وَأَنْ نَحْتَرِمَهُمْ وَنُؤازِرَهُمْ وَنَدْعُوَ لَهُمَا في السَّراءِ وَالضَّرَّاءِ.
وَاعْلَمُوا كَذَلِكَ أَنَّ دِينَ اللهِ مَنْصُورٌ وَبَاقٍ مَا بَقِيَ الَّليلُ والنَّهَارِ لَيسَ مَرْبُوطًا بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ؛ فَكُونُوا دُعَاةَ، وَطَالِبي عِلْمٍ وَمِنْ مُعَلَّمِي النَّاسِ الخَيرَ تُفْلِحُوا.
فالَّلهُمَ فَقِّهْنَا فِي دِينِكَ، وَارْزُقْنَا عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً صَالِحًا مُتَقَبَّلاً، الَّلهُمَّ نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ عَلى الْحَقِّ والاسْتِقَامَةَ عَلى الْهُدَى، ولا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. الَّلهُمَّ اجْزِ عَنَّا خَيرًا كُلَّ عَالمٍ وَمُعَلِّمٍ لَنَا خَيرًا، اللهمَّ ارزقنا إتِّبَاعَ سُنَّةَ نَبِيِّنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
اللَّهُمَّ زيِّنا بزينة التقوى والإيمان، اللَّهُمَّ وفق وُلاةَ أُمُورِ المُسْلِمينَ عَامَّةً، وَولاتَنَا خاصَّةً لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. وَاجْزِهِمْ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ، وَأَعِزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ وانصُرْ جُنُودَنا المُرابِطِينَ. اللهُمَّ اغفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا والْمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
 
 
المشاهدات 1883 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا