وصايا جامعة مع بداية العام الجديد.
عادل بن عبد العزيز الجهني
خطبة/ وصايا جامعة.
الحمد لله الذي بيده ملكوت كلِّ شيء، وهو يُجير ولا يُجار عليه، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، قدّر المقادير، وكتب الآجال، ونسخ الآثار.
أحمده سبحانه منّ علينا بنعمة الإسلام، الذي فيه دخول الجنّة والنجاة من النّار، فكم من سكّان الأرض من يسجد لبقرة، ومن يدعو حجرة، وأنت تسجد للواحد القهّار.
وأصلي وأسلم على خير من نصح العباد، ودلّ الأمّة على كلِّ خير، وبعد
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السرّ واللعن.
عباد الله لقد منّ اللهُ علينا ببلوغ عامٍ جديد نسأل الله أن يبارك لنا فيه، ولأننا زلنا في بدايته، فأضع بين أيديكم وصايا جامعة، اسأل الله أن ينفعني الله وإياكم بها.
اعلم يا رعاك الله أنّ طول العمر نعمةٌ لا تُقدّر بثمن، فكم من حبيب واريته الثرى، وكم قريب أسلمته للبِلى، فزادك اللّٰه بعدهم عمراً، وأمدك لك بالحياة، فصرت متمكّنًا من العمل، قادرًا على التغيير للأحسن، فاقدر هذه النعمة حق قدرها، واغتنمه بما ينفعك.
أولى الأوليات التي ينبغي للمسلم أن يعتني بها: زيادة إيمانيه، فليس مثل الإيمان منزلة عند الله، والنّاس إنّما تتفاوت مراتبهم عند ربهم بالإيمان والعمل الصالح؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : "إن اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رواه أحمد. والإيمان إنّما يزيد بالطاعات، والنصوص شاهدة بهذا، وأعظم هذه الطاعات الفرائض، فاعقد العزم على أدائها كما أمرك الله، وأعظمها الصلوات الخمس، فأدّها حيث يُنادى بها في المساجد، وأعلم أنّها السبب الأعظم للفوز والفلاح، وهي المُكمّلة لما بعدها، وأتْبِعها بالسنن الرواتب، واحرص أن تصلي من الليل ولو ركعات يسيرة، ولئن كسلت فلا تكسل عن صلاة الوتر، فلا تنم ليلة إلا وقد صليتها، وإنّك إن فعلت ذلك حمدت عملك حين ترى ثواب الأعمال يوم القيامة، بل قبل ذلك حين تدخل قبرك، وتوارى فيه.
ومن العبادات التي ينبغي علينا العناية بها: تلاوة القرآن، فخصّص له جزءًا من وقتك، وأقل القليل تلاوة جزء من القرآن كلَّ يوم، وحافظ على أذكار الصباح والمساء، وغيرها من الطاعات، فإنّك إن فعلت ذلك عشت بخير، ومت على خير. ومن الوصايا مع بداية العام أن تحرص على تغيير كل طبع تكرهه من نفسك، وكل واحدٍ منّا -يا عباد الله- يعلم من نفسه بعض الأخلاق التي يتمنّى تغييرها، فالجادُّ والناصح لنفسه يسعى لِما فيه الخير لنفسه، ولا أنفع للعبد من خلُق فاضل يتحلّى به. فـ(كن هيّنا ليّنا سهلا) فهؤلاء هم أهل الجنّة. حسّن معاشرتك للنّاس، فأنتَ بالنّاس ما دمت تعيش بينهم؛ فجامل، وتبسّم، ولطّف منطقك، واعف، وتغافل، تعشّ أطيب حياة.
واقعك الاجتماعي لابد من النظر فيه، فإن كنتَ مقصّراً في صلة رحمك، أو حقوق جارك فاجتهد أن تصلحها، فالصلة بركتها في الدارين، وحُسن الجوار طيب في الحياة وأحدوثة جميلة عنك بعد الممات. كن مغتنمًا لزمانك ولا يضيعُ عليك سبهللاً، فما خسر المرء شيئا كخسارة الوقت، ولا أتقن العبد أمراً كإتقانه إدارة الزمان. وازن بين الحقوق فهناك حقٌ لربك، وحقٌ لوالديك، وحقُّ لولدك، وحقّ لنفسك، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه. احرص على زيادة العلم، فما رُفع أحدٌ بمثل العلم، فكن طالبًا له، كثير القراءة، تشارك الأذكياء بعقولهم، وتكسب خبرات صفوة الخلق، واجتهد أن تضيف شيئاً في عامك، وارتق في أهدافك، فأعلى الأهداف ما قرّبك إلى ريك، وأعلى منزلتك، وزكت به نفسُك. روّح عن نفسك بالمباح، فالترويح سبيل للحِدِّ بعده، وإذا روّحت عن والديك وولدك وصديقك فاحتسب ذلك عند اللّٰه ليكون لك طاعة.
اجتهد أن تكون لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم به أحدٌ إلا الله، واكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك، ولا تظهرها إلا في حال المصلحة الراجحة، وأنسب الفضل لأهله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فمن الوصايا في هذا المقام لا يكن عامك الحالي كعامك السابق (فأنتَ في عام جديد، فأضف إليه إنجازًا جديداً) وزيادة العمر في حقيقته نقصان، فليكن كل يوم جديد بالنسبة لك فرصة للتزوّد من الخيرات، فلن ترحل من الدنيا بمثل الحسنات والباقيات الصالحات. كن جاداً في التعامل مع وسائل التواصل، فلا يختلف اثنان أنّها اصبحت السارق الأعظم للوقت، والمضيّع الأكبر لكثير من فرص الخير كطلب علم وقراءة قرآن بل زاحمت واجبات كثيرة كبِّر الوالدين، ورعاية حق زوج وولد، فتعامل معها بجدية وانضباط لئلا تكون سببًا لضياع زمانك وتفريطك بواجباتك. لا يحمل قلبك كل يوم إلا التفاؤل الحسن، والظنّ الجميل بربك، فالله كريم لطيف رحيم، سيحقق لك الأماني، وسترى ما تُحب ولئن تأخرتْ قليلاً فإنّك لا تدري ما هو الأصلح لك، ولئن أصابك ضر فما بعده خير، ولئن غشيك مكروه فأيقن أنّ العاقبة أجمل. ابتعد عن اليأس في حياتك، فمهما فشلت في مشاريع خططت لها، فأمامك الفرص قائمة ولن تنتهي الدنيا بعدم نجاح زواج، أو فشلٍ في دراسة، أو خسارة تجارة، ففرص النجاح لا زالت تملأ حياتك وما عليك إلا الاستفادة من تجاربك وتصحيح الأخطاء، والعزيمة على تحقيق مرادك، واستعن بالله ولا تعجز.
في كل حوائجك وفي كل أمر من أمورك كن كثير اللجوء إلى اللّٰه عظيم الاضطرار له (وهذه الوصية الجامعة والمهيمنة على جميع ما قبلها من الوصايا) فكن أفقر الخلق لربك، وأحوجهم لمولاك، وأصدقهم طلبًا، وأحسنهم ظنًا به، وأبشر بعطايا لا تتخيلها.
وفقك الله، ورضي عنك، وجعل ما بقي من عمرك خير لك ممّا مضى، وأبعد
عنّا وعنك كل شر، وختم لنا ولك بخير.
صلوا على البشير النذير…..