وقفات مع شدة البرد 1447 هـ

مبارك العشوان 1
1447/07/04 - 2025/12/24 22:14PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا؛ فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا؛ فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ؛ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ) وَالزَّمْهَرِيرُ: شِدَّةُ البَرْدِ.

عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَتِ النَّارُ يَأُكُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ فَمَا حَالُ أَهْلِهَا؟! وَمَنْ هُمْ وَقُودٌ لَهَا؟! وَمَنْ أَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؟! وَمَنْ حَكَمَ اللهُ عَلَيهِمْ بِالخُلُودِ فِيهَا ؟!

أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ وَمِنْ زَمْهَرِيرِهَا.

وَرَزَقَنَا جَنَّةً قَالَ عَنْ أَهْلِهَا: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: [أَيْ: لَيْسَ عِنْدَهُمْ حَرٌّ مُزْعِجٌ  وَلَا بَرْدٌ مُؤْلِمٌ، بَلْ هِيَ مِزَاجٌ وَاحِدٌ دَائِمٌ سَرْمَدْيّ] اهـ

نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ.

عِبَادَ اللهِ: إِذَا تَذَكَّرَ المُسْلِمُ هَذَا الثَّوَابَ لأَهْلِ الجَنَّةِ؛ وَذَاكَ العِقَابَ لأَهْلِ النَّارِ؛ فَسَوفُ يَنْفَعُهُ هَذَا كَثِيرًا؛ وَسَوفَ  يَسْعَى حَثِيثًا لِلْفَوزِ بِالثَّوَابِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ العِقَابِ؛ بِلُزُومِ الطَّاعَاتِ، وَاجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ.  

عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ شِدَّةِ البَرْدِ؛ وَتَوَفُّرِ مَا يُتَّقَى بِهِ؛ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ؛ فَقَدْ أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا  وَآوَانَا، وَكَسَانَا؛ وَيَسَّرَ لَنَا مَا نَتَّقِي بِهِ الحَرَّ وَالبَرْدَ.

فَلِلَّهِ الحَمْدُ كُلُّهُ وَلَهُ الشُّكْرُ كُلُّهُ؛ لَا نُحْصِى ثَنَاءً عَلَيه.

ثُمَّ إِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى: أَنْ نَتَذَكَّرَ المُحْتَاجِينَ؛ وَنَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ، وَنُفَرِّجَ عَنْ مَكْرُوبِهِمْ؛ فَالمُؤْمِنُونَ كَالْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.

قَدْ يَكُونُ قَرِيبُكَ، أَوْ جَارُكَ، أَوْ غَيرُهُمْ فِي ضِيقٍ مِنَ العَيْشِ  وَهَمٍّ مِنْ مَصَارِيفِ الغِذَاءِ، وَاللِّبَاسِ، وَالكَهْرَبَاءِ، وَوَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ، وَغَيرِهَا؛ فَاقْضِ حَاجَتَهُ وَنَفِّسْ كُرْبَتَهُ؛ وأَبْشِرْ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ  وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]

عِبَادَ اللهِ: وَفِي الشِّتَاءِ فُرْصٌ لِلْعِبَادَاتِ؛ يَنْبَغِي اِغْتِنَامُهَا.

فَفِي قِصَرِ نَهَارِهِ وَبَرْدِهِ مَغْنَمٌ لِلصَّائِمِينَ، وَفِي طُولِ لَيْلِهِ  مَغْنَمٌ لِلْقَائِمِينَ.

وَفِي الشِّتَاءِ فُرْصَةٌ لِاحْتِسَابِ الأَجْرِ، وَتَحَمُّلِ المَكَارِهِ وَمَا يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ؛ مِنْ إِسْبَاغِ الوُضُوءِ مَعَ شِدَّةِ البَرْدِ، وَمِنَ المُبَادَرَةِ لِلصَّلَوَاتِ، وَمِنْ مُفَارَقَةِ لَذَّةِ النَّومِ وَدِفْءِ الفِرَاشِ وَالقِيَامِ لِصَلَاةِ الفَجْرِ، وَمِنْ أَمْر الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ بِالصَّلَوَاتِ وَإِيقَاظِهِمْ لَهَا.

فَكُلُّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى اِحْتِسَابٍ وَتَحَمُّلٍ وَمُصَابَرَةٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه132]

عِبَادَ اللهِ: وَمِمَّا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيهِ: لُبْسِ الخِفَافِ أَوِ الجَوَارِبِ أَوِ الشُّرَّابِ؛ سَوَاءً فِي الشِّتَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لَهُمُ المَسْحَ عَلَيهَا.       فَإِذَا تَطَهَّرَ الإِنْسَانُ؛ وَانْتَهَى مِنْ غَسْلِ رِجْلَيهِ؛ وَلَبِسَ الخُفَّ أَوِ الشُّرَّابَ؛ الطَّاهِرَ؛ المُغَطِّي لِلْقَدَمَينِ مَعَ الكَعْبَينِ  فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ المَسْحُ عَلَيهِ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا خَاصٌ بِالطَّهَارَةِ الصُّغْرَى (الوُضُوءِ) أَمَّا الغُسْلُ؛ فَلَا يَمْسَحُ عَلَيهِمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خَلْعِهِما.

يَمْسَحُ المُقِيمُ يَومٌ وَلَيلَةٌ؛ وَالمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ   يَحْسُبُ مِنْ أَوَّلِ مَسْحٍ بَعْدَ الحَدَثِ.

وَمَنْ مَسَحَ ثُمَّ سَافَرَ؛ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ فَيُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ.

وَكَيفِيَّةُ المَسْحِ: أَنْ يَبُلَّ يَدَيهِ بِالمَاءِ؛ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا عَلَى أَعْلَى الخُفِّ أَوِ الشُّرَّابِ وَنَحْوِهِ؛ مَرَّةً وَاحِدَةً.

يَبْدَأْ مِنْ أَطْرَافِ الأَصَابِعِ إِلَى مُبْتَدَأِ السَّاقِ.

رَزَقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمُ الفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

وَيَقُولُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ، فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلمَ، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّارَ، إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

أَلَا فَلْنَأْخُذْ بِهَذِهِ الوَصَايَا النَّبَوِيَّةِ؛ اِتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَأَخْذًا بِمَا يَنْبَغِي مِنَ الحَذَرِ وَالحَيْطَةِ.

فَتُطْفَأُ النَّارُ عِنْدَ النَّومِ؛ سَوَاءً الَّتِي تُوقَدُ بِالحَطَبِ، أَو الَّتِي تُوقَدُ بِالغَازِ، أَوْ بَعْضُ المَدَافِيءِ الكَهْرَبَائِيَّةِ، أَوْ كَانَتْ فِي سِرَاجٍ أَوْ غَيرِهِ.

وَهَكَذَا يَنْبَغِي الحَذَرُ مِنْ بَقَاءِ الأَطْفَالِ وَحْدَهُمْ عِنْدَ النَّارِ  يَعْبَثُونَ بِهَا؛ فَيَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ.

حَفِظَ اللهُ الجَمِيعَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب 56 ]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة التليجرام (احرص على ما ينفعك)

https://t.me/benefits11111/3023

المرفقات

1766603635_وقفات مع شدة البرد 1447.pdf

1766603649_وقفات مع شدة البرد 1447.doc

المشاهدات 290 | التعليقات 0