وَقَفَاتٌ مَعَ مَا يُعْرَفُ بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، اتَّقُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا.
عِبَادَ اللهِ: حَدِيثُ اليَومِ: وَقَفَاتٌ مَعَ تَقْنِيَةٍ جَدِيدَةٍ؛ قَدْ تَكُونُ نِعْمَةً، وَقَدْ تَكُونُ شَرًّا وَبَلاءً وَنِقْمَةً.
أَلا وَهِيَ: مَا يُعْرَفُ بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ.
أَوَّلُ هَذِهِ الوَقَفَاتِ: أَنْ نَتَذَكَّرَ عَظِيمَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى بَنِي آدَمَ بِمَا وَهَبَهُمْ مِنَ العَقْلِ وَالذَّكَاءَ؛ وَلَوْلا ذَلِكَ لَمَا عَرَفُوا شَيئًا مِنَ العُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَلا الدُّنْيَوِيَّةِ.
فَعَلَى المَرْءِ أَنْ يَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ العَقْلِ، وَيَسْتَغِلَّهُ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَيُصْلِحُ دِينَهُ وَدُنْيَاه؛ وَإِلَّا كَانَ كَمَنْ قَالَ اللهُ عَنْهُمْ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[ الروم7]
يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: [أَيْ: أَكْثَرُ النَّاسِ لَيْسَ لَهُمْ عِلْمٌ إِلَّا بِالدُّنْيَا وَأَكْسَابِهَا وَشُؤُونِهَا وَمَا فِيهَا، فَهُمْ حُذَّاقٌ أَذْكِيَاءُ فِي تَحْصِيلِهَا وَوُجُوهِ مَكَاسِبِهَا، وَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، كَأَنَّ أَحَدَهُمْ مُغَفّل لَا ذِهْنَ لَهُ وَلَا فِكْرَةَ...] إلخ
وَيَقُولُ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنَ العَجَبِ أَنَّ هَذَا القِسْمَ مِنَ النَّاسِ قَدْ بَلَغَتْ بِكَثِيرٍ مِنْهُمُ الفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ فِي ظَاهِرِ الدُّنْيَا إِلَى أَمْرٍ يُحَيِّرُ العُقُولَ وَيُدْهِشُ الأَلْبَابَ، وَأَظْهَرُوا مِنَ العَجَائِبِ الذُّرِّيَّةِ وَالكَهْرَبَائِيَّةِ وَالمَرَاكِبِ البَرِّيَّةِ وَالبَحْرِيَّةِ وَالهَوَائِيَّةِ مَا فَاقُوا بِهِ وَبَرَزُوا، وَأُعْجِبُوا بِعُقُولِهِمْ، وَرَأَوْا غَيْرَهُمْ عَاجِزًا عَمَّا أَقْدَرَهُمُ اللهُ عَلَيهِ؛ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِعَينِ الاحْتِقَارِ وَالازْدِرَاءِ؛ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ أَبْلَدُ النَّاسِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَأَشَدُّهُمْ غَفْلَةً عَنْ آخِرَتهِمْ، وَأَقَلُّهُمْ مَعْرِفَةً بِالعَوَاقِبِ...] إلخ
عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ الوَقَفَاتِ: وُجُوبُ الحَذَرِ مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ التَّقْنِيَةِ وَغَيْرِهَا فِيمَا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ مِنَ الكَذِبِ وَالبُهْتَانِ
وَإِيْذَاءِ العِبَادِ، وَاتِّهَامِ الأَبْرِيَاءِ، وَنَشْرِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُضَلِّلَةِ وَتَزْيِيفِ الصُّوَرِ وَالْمَقَاطِعِ الصَّوْتِيَّةِ وَالْمَرْئِيَّةِ؛ لتَشْوِيهِ السُّمْعَةِ، وتَفْرِيقِ الكَلِمَةِ، وَنَشْرِ الخِلافِ وَالفُرْقَةِ.
وَهَكَذا تَلْفِيقِ الْفَتَاوَى الْمَكْذُوبَةِ عَلَى الْعُلَمَاءِ؛ لِتَضْلِيلٍ النَّاسِ بِهَا، وَنَزْعِ الثِّقَةِ بِهِمْ.
أَلا فَلْيَعْلَمْ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهَا تُكْتَبُ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ، وَيُحَاسَبُ عَلَى خَيْرِهَا وَشَرِّهَا؛ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ ق 17-18] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[ الانفطار 10-12]
وَمِنَ الوَقَفَاتِ: وُجُوبُ الحَذَرِ مِنْ سُؤَالِ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ عَنِ المُسْتَقْبَلِ، والأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ؛ فَلاَ يَعْلَمُ الغَيْبَ إِلا اللهُ جَلَّ وَعَلا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل 65]
لا يَجُوزُ سُؤَالُ أَحَدٍ عَنِ الغَيْبِ؛ سَوَاءٌ كَانَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ بَرْنَامَجًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَمِنَ الوَقَفَاتِ: أَنْ يَحْفَظَ المُسْلِمُ وَقْتَهُ، وَأَلَّا يُضَيِّعَهُ مَعَ هَذِهِ التَّقْنِيَةِ أَوْ مَعَ غَيْرِهَا فِي غَيْرِ نَفْعٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِي.
رَزَقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ حِفْظَ أَعْمَارِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِنَا فِيمَا يُقَرِّبُنَا إِلَيه.
وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ الوَقَفَاتِ مَعَ مَا يُعْرَفُ بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ: وُجُوبُ الاحْتِرَازِ وَالتَّثَبُّتِ فِيمَا يُنْشَرُ عَبْرَ هَذِهِ التَّقْنِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الوَسَائِلِ، وَالَّتِي يَكْتُبُ فِيهَا مَنْ يُعْرَفُ وَمَنْ لا يُعْرَفُ، وَمَنْ يُوْثَقُ بِهِ وَمَنْ لا يُوْثَقُ بِهِ، وَكَثُرَتْ فِيهَا الأكَاذِيبُ، وَنُشِرَتْ فِيهَا الشَّائِعَاتُ وَالأبَاطِيلُ.
لا بُدَّ مِنَ التَّأَنِّي، وَالبَحْثِ وَالتَّحَرِّي؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات 6]
لَيْسَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ الفَتَاوَى وَالعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ دُونَ التَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّتِهَا، أَوْ مَعْرِفَةِ وَثِقَةِ قَائِلِهَا؛ وَلِهَذَا يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ: [إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ] اهـ
ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ كَذَلِكَ؛ الاسْتِعْجَالُ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ خَبَرٍ يُنْشَرُ أَوْ تَرْوِيجُهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ؛ فَهَذِهِ آفَةٌ خَطِيرَةٌ وُجِدَتْ فِي العُصُورِ المُتَقَدِّمَةِ؛ وَلَا تَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ إِلَى يَومِنَا هَذَا؛ بَلْ هِيَ فِي أيَّامِنَا قَائِمَةٌ عَلَى أَشُدِّهَا.
وقد ابتُلِيَ بِهَا أنَاسٌ؛ وَأُولِعُوا بِهَا؛ شُغْلُ أَحَدِهُمْ الشَّاغِلُ: يَتَلَقَّى وَيَنْشُرُ، يَسْتَقْبِلُ وَيُرْسِلُ؛ لَا يَكَادُ يَسْمَعُ خَبَراً، أو تُذْكَرُ لَهُ حَادِثَةٌ، أو تَصِلُهُ رِسَالَةٌ أوْ صُورَةٌ، أَوْ فَتْوَى شَاذَّةٌ إلَّا سَارَعَ بِنَشْرِهَا عَلَى أكْبَرِ عَدَدٍ؛ دُوْنَ أدْنَى بَحْثٍ، أو تَثَبُّتٍ.
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَاحْذَرُوا أنْ يُؤْتَى دِيْنُكُمْ وَأَمْنُكُمْ، وَاجْتِمَاعُكُمْ مِنْ قِبَلِكُمْ.
احْرِصُوا عَلَى مَا يَنْفَعُكُم، وَيَنْفَعُ غَيْرَكُمْ؛ لَا تَنْشُرُوا فِي النَّاسِ مَا يَضُرُّهُم، وَيُوقِعُهُمْ فِي الإِثْمِ، وَيَحْصُدُ حَسَنَاتِهِمْ وَيُقَسِّي قُلُوبَهُم، وَيُضَيِّعُ أَوْقَاتَهُمْ، وَيُهَوِّنُ المَعَاصِي فِي نُفُوسِهِمْ، ويُجَرِّؤُهُمْ عَلَيهَا.
اُنْشُرُوا فِي النَّاسِ مَا يُصْلِحُ دِيْنَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، اُنْشُرُوا فِيْهِمُ العِلْمَ النَّافِعَ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ عَقَائِدُهُمْ، وَتَصِحُّ بِهِ عِبَادَاتُهُمْ وَمُعَامَلَاتُهُمْ، اُنْشُرُوا فِيْهِمُ مَا يُرَقِّقُ قُلُوبَهُمْ، وَمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ.
كُونُوا مَفَاتِيحَ لِلْخَيرِ، دُعَاةً لِلْهُدَى؛ مَغَالِيقَ لِلشَّرِ، مُحَذِّرِينَ مِنَ الرَّدَى.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب 56 ]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتجدون هذه الخطبة وغيرها على قناة التليجرام (احرص على ما ينفعك)
https://t.me/benefits11111/2755
المرفقات
1753359784_وَقَفَاتٌ مَعَ مَا يُعْرَفُ بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ..pdf
1753359802_وَقَفَاتٌ مَعَ مَا يُعْرَفُ بِالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ..docx