ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.

عبد الله بن علي الطريف
1447/04/10 - 2025/10/02 14:03PM

ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر. 1447/4/11هـ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا) [الكهف:1]، و(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1]، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا وتبجيلاً، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا. أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

أيها الإخوة: تتفاخر دُورُ النشرِ والمؤلفون في أن الكتاب الفلاني من أكثر الكتب مبيعًا في العالم.. ونحن نقول الكتابُ العزيز يتربع على قائمة الكتب نسخًا وطباعةً وضبطًا وحفظًا من التغيير والزيادة والنقص قال الله تعالى عنه: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41-42]   قال الشيخ السعدي: "(إِنَّهُ لَكِتَابٌ) جامعٌ لأوصافِ الكمالِ (عَزِيزٌ) أي: منيعٌ مِنْ كلِ مَنْ أرادَه بتحريفٍ أو سوءٍ، ولهذا قال: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي: لا يقربُه شيطانٌ من شياطينِ الإنسِ والجنِ، لا بسرقَةٍ، ولا بإدخالِ ما ليس منه به، ولا بزيادةٍ ولا نقصٍ، فهو محفوظٌ في تنزيلِهِ، محفوظةٌ ألفاظُهُ ومعانيه، قد تكفل من أنزلَه بحفظِهِ كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه". انتهى.

وهذا الكتاب "فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ.. وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.

هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

أيها الإخوة: مشاغل الحياة كثيرة، وملهياتها أكثر، وهي ‌تَحُثُّ بِنَا ‌الْمَطِيُّ إلى مصيرٍ معروفٍ قال الله تعالى عنه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8]  فمن أسلم نفسه لملهياتِها أضاعَ الدنيا والدين، واعلموا أنَّ أجملَ ما تقضى به الأوقات، وتكابدَ فيه الليالي تلاوة ُكتاب الله الذي وصفه من أنزله بأنه: (لَا رَيْبَ فِيهِ) وأنه (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ) وَإِنَّهُ (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:1].. ولشدة بيانه وتبيينه وصفه الحقُ بأنه نور، فقال تعالى (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) [المائدة:15]. ومع نوره فيه هدى وموعظة قال سبحانه (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:138]. وامتن به تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، لإقامة الحجة عليهم فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) [النساء:174] وقال سبحانه موبخًا من لم يؤمن من الجن والأنس: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا) [الأنعام:130]..     

أيها الإخوة: هذه بعض صفات كتاب الله العظيم ومكانته وهي أعظم حافز لتلاوته وحفظه وتدبره.. أما أجورُ تلاوته وتعلمه فقد ورد فيها عشرات الأحاديث.. قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ؟!» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: «أَفَلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمَ أَوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ». رواه مسلم.. وَوَصْى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- أَبَا ذَرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بتلاوته فَقَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنِي. قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ» رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل وقال الألباني حسن لغيره. وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ [في الجنة] عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا» رواه الترمذي وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وهو حسن صحيح.. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه النسائي وابن ماجة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حديث صحيح. جعلنا الله تعالى من أهل القرآن وغفر لنا ووالدينا والمسلمين وصلى وسلم على نبينا محمد..

الخطبة الثانية:

 الحمد لله حمدا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى.. أما بعد: قال الله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

أيها الإخوة: قد يظنُ بعض الناس أن هذا القرآن العظيم وما وصفه الله تعالى به من صفات.. وما خصه فيه رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- من أجور وبركات.. صعب المنال شديد التحصيل.. نقول لا فقد قال الله تعالى فيه (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ). [القمر:17]. قال الشيخ السعدي: أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم، لأنه أحسنُ الكلام لفظًا، وأصدقُه معنى، وأبينُه تفسيرًا، فكل من أقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه، والذكر شاملٌ لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة، ولهذا كان علم القرآن حفظًا وتفسيرًا، أسهل العلوم، وأجلها على الإطلاق، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).. انتهى

أيها الإخوة: لما لا يكون مشروعنا في الأيام القادمة الإقبال على تلاوة القرآن وحفظه مهما بلغنا من العمر.. كم يمضي أحدُنا في وسائل التواصل الاجتماعي.؟ أنظر إلى معدل ساعات استخدامك اليومي في الأسبوع.. قد تبلغ عند بعضنا عشر ساعات وربما تزيد.. والنتيجة إن لم نسلم من الإثم لم نستفد خيرًا لا دنيا ولا دين.. أنا لا أدعو لترك وسائل التواصل والاستفادة من الأجهزة، ولكني أدعو لترك الضار والمحرم منها، لما لا تكون الأجهزة معينة لنا.. دعوة لي ولكم أن نأخذ من هذا الوقت وقتًا لكتاب الله.. لما لا نحمل في أجهزتنا تطبيق القرآن ونجعله في الشاشة الرئيسية.. ففي هذه التطبيقات فرصة إمكانية التلاوة في أي وقت ولا تحتاج للوضوء، وفرصة للسماع والترديد للحفظ وتقويم اللسان.. أعزموا على ذلك واستعينوا بالله وادعوا الله بالعون فأنتم في ساعة إجابة.. اللهم وفقنا لتلاوة كتابك حق التلاوة.. وأعنا على حفظه وتخصيص وقت لذلك.. فقد وعدت ووعدك الحق فقالت بمحكم التنزيل: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17] اللهم اجعلنا من المدكرين.. وصلوا وسلموا على نبيكم..

 

 

 

 

 

 

 

 

المشاهدات 251 | التعليقات 0