(1) الخطبة الأولى مقدمة ضمن سلسلة علمتنا سورة الفاتحة
إبراهيم بن سلطان العريفان
الحمدُ للهِ الذي أنزَلَ الكِتابَ هُدىً للناسِ وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان، نحمدُهُ ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا. مَن يَهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ...
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْخَاطِئَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ... إِنَّنَا نَقْرَأُ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِن صَلَوَاتِنَا، فَهِيَ السُّورَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ دُونَهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَمَعَ هَذَا، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ – إِلَّا مَن رَحِمَ اللَّهُ – لَا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَهَا، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ فِي مَقَاصِدِهَا، وَلَا يَقِفُونَ عِنْدَ آيَاتِهَا خَاشِعِينَ مُتَفَكِّرِينَ.
يَا أَحِبَّةَ الإِيمَانِ.. سُورَةُ الْفَاتِحَةِ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ كَلِمَاتٍ تُقْرَأ، بَلْ هِيَ: عَقِيدَةٌ تُرَسِّخُ التَّوْحِيدَ فِي الْقُلُوبِ. وَمِيثَاقُ عُبُودِيَّةٍ نُجَدِّدُهُ مَعَ اللَّهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَدُعَاءٌ عَظِيمٌ نَطْلُبُ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَالثَّبَاتَ. أَتَدْرُونَ مَا هِيَ أَسْمَاؤُهَا؟
سَمَّاهَا النَّبِيُّ ﷺ (أُمَّ الْكِتَابِ) وَ(السَّبْعَ الْمَثَانِي) وَفِي الحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ سَمَّاهَا اللهُ (الصَّلَاةَ) فَقَالَ (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ).
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ: أَصْلُ القُرْآنِ، وَمُخُّ العِبَادَةِ، وَجَامِعَةُ أُصُولِ الدِّينِ، فِيهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ وَحَمْدُهُ، وَالإِقْرَارُ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالإِيمَانُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِفْرَادُهُ بِالعِبَادَةِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ، وَالسُّؤَالُ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، لَا مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
فَأَيْنَ أَنْتَ – أَخِي الْمُسْلِمُ – مِنْ تَدَبُّرِهَا!! أَيْنَ خُشُوعُ قَلْبِكَ؟ أَيْنَ ذُلُّكَ وَأَنْتَ تَقُولُ ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[!! أَيْنَ رَجَاؤُكَ وَأَنْتَ تَدْعُو ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[!!
فَافْتَحُوا قُلُوبَكُمْ لِهَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ، وَاقْرَؤُوهَا بِتَدَبُّرٍ، فَهِيَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَسَبَبٌ لِرِضَا الرَّحْمَٰنِ.
نَفَعَنِيَ اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ.. إِنَّ مِنَ الظُّلْمِ لِهَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ، أَنْ نَقْرَأَهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَنَكْرِّرَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، ثُمَّ نَمُرُّ عَلَيْهَا مَرَّ الكِرَامِ، لَا نَتَدَبَّرُ، وَلَا نَفْهَمُ، وَلَا نَخْشَعُ!!
تَفَكَّرُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ – فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، كَيْفَ تُخَاطِبُ اللهَ، وَتُثْنِي عَلَيْهِ، وَتَدْعُوهُ، وَتَطْلُبُ هِدَايَتَهُ!
فَإِذَا تَدَبَّرْتَهَا، وَعَقَلْتَ مَعَانِيَهَا، وَاسْتَشْعَرْتَ كَلِمَاتِهَا، تَغَيَّرَتْ صَلَاتُكَ، وَتَغَيَّرَ قَلْبُكَ، وَتَغَيَّرَتْ حَيَاتُكَ.
فَجَدِّدُوا عَهْدَكُمْ مَعَ سُورَةِ الفَاتِحَةِ، وَاجْعَلُوهَا سُورَةَ تَدَبُّرٍ لَا تِرَاتِيلَ مُجَرَّدَة.
اللَّهُمَّ اجْعَلِ القُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ صُدُورِنَا، وَجَلَاءَ أَحْزَانِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا وَغُمُومِنَا.
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا وَعَمَلًا وَهُدًى وَتُقًى.
للَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1754000086_(1) مقدمة سلسلة علمتنا سورة الفاتحة.pdf
1754000096_(1) مقدمة سلسلة علمتنا سورة الفاتحة.docx