عناصر الخطبة
1/عبرة وعظة من مرور الأيام 2/فرحة باستقبال العام الجديد 3/خصوصية شهر الله المحرم 4/الحث على شكر نعم الله تعالىاقتباس
إننا حين نُودِّع عامنا الهجرية ونطوي أيامه فإنَّنا نصافح العام الجديد المُطل علينا بأَكُف الأماني، ونستفتحه بتباشير التفاؤل والآمال، ونُودِّع ما مضى من أيام عامنا المنصرم بما استُودِعَهُ من صالح النيات والأقوال والأعمال...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُقدِّر المقادير، ومُصرِّف الأمور، ومُدبِّر الأحوال ومُقلِّب الدهور، أودَع تصاريفَ الأقدار تضاعيف الأيام والأعوام والشهور، وامتنَّ بصنوف المِنن والآلاء ما تَقر به العيون وتنشرح به الصدور.
أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له؛ شهادة تُقِر بها القلوب، وتلهج بها الأفواه وتضيء بها السطور، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوث بالهدى والرحمة والنور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء والنشور.
أما بعد، إخوة الإيمان: فإن تقوى الله -جل وعزَّ- وخشيته في الغيب والشهادة أوثق أسباب رضوانه، وأوسع أبواب امتنانه؛ فهي التجارة التي لا تبور، والزاد الذي لا ينفد، والسرور الذي لا ينقطع، ونعيم الحياة العاجل قبل النعيم الآجل المقيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الْأَنْفَالِ:29].
معشر المؤمنين والمؤمنات: إن في سرعة انصرام الأيام وانقضاء الأعوام لَعبرةً لذوي الحِجَى، ومُتَّعَظًا لأُولي النهى، يقف المؤمن عند ذلك وقفة المتأمل، ويلتفت التفاتة المُدكر، فيقيس آتيَّ زمانه على ماضيه؛ لأنَّه يعلم أن اليوم سيصير أمسًا، وأن ضجيج اليوم سيحول همسًا، فما أشبَه عامَنا الغاضر بعامنا الغابر، ويومنا الحاضر بأمسنا الدابر! وكأنَّ تشابُهَ أحداث الزمان دوران رَحى، ومدة بقائه كإقامة شمس ضُحى.
إنها سُنَّة الله التي بها قضى في كونه وخَلقه، فلا يستقر حالٌ ولا يدوم، ولكنَّها الحياة تتقلب بأهلها وتمور بمَنْ عليها حتى تنتهي رحلة الحياة ومسيرة العمر إلى لقاء الله -جلَّ وعزَّ- كما قال -سبحانه-: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ)[الْغَاشِيَةِ:25]، وكما قال -جلَّ شأنُه-: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)[الْعَلَقِ:8].
إننا حين نُودِّع عامنا الهجرية ونطوي أيامه فإنَّنا نصافح العام الجديد المُطل علينا بأَكُف الأماني، ونستفتحه بتباشير التفاؤل والآمال، ونُودِّع ما مضى من أيام عامنا المنصرم بما استُودِعَهُ من صالح النيات والأقوال والأعمال.
ودَّعْنا بوداع عامنا موسمًا عظيمًا من مواسم الخير، امتنَّ الله فيه على المسلمين بأداء شعيرة من أعظم شعائر الإسلام وأجل مبانيه العِظام، واستقبلنا موسم شهر الله المحرَّم موسمٌ يتلوه آخر في سلسلةٍ من مواسم الخير متصلة الحلقات، متوالية الأوقات؛ شهر الله المحرم الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ الذي تَدْعُونهُ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ"؛ فدلَّ ظاهر هذا الحديث على أن صوم شهر الله المُحرَّم هو أفضل ما تطوَّع به العبد تطوُّعًا مطلقًا من الصيام بعد رمضان، كما أن أفضل التطوع المطلق بالصلاة قيام الليل.
بارَك اللهُ لي ولكم في مواسم الخيرات، وتقبل منا ومنكم الصالحات، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه وإليه المصير، وأتوكل عليه فهو نعم المولى ونعم النصير.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، أهلِ الحمدِ ومستحقِّ الثناء، مُسبِغِ العطاءِ ومسبلِ الغطاءِ، حمدًا يصوب حياه ويَعْزُب جناهُ، ويلوح سناه، والصلاة والسلام على سيد الخلق وخاتم الأنبياء؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الخيّرة الأصفياء.
أما بعدُ، مَعاشِرَ المؤمنينَ والمؤمنات: فإنَّ اللهَ اختصَّكم بالوفود على هذه البقاع المبارَكات والمواضع المحرَّمات في هذه الأوقات الفاضلات والأزمنة الشريفات، ووفَّق ولاةَ أمرها إلى القيام على رعاية هذه المقدَّسات، والعناية بها وبقاصديها وزائريها حق العناية في أفياءٍ وارفة من الأمن والإيمان والسكينة، وظلال وادعة من الرخاء والبِشر والطمأنينة.
فاستشعِروا -أيها المؤمنون والمؤمنات، والقاصدون والقاصدات- هذه النعم العُظمى والمنن الجُلَّى بكثرة اللهج، بشكر الله والثناء عليه، وتعظيم قدر هذه البقاع واستشعار حرمتها ومقدساتها ومُقدراتها، والحرص على اتباع سُنَّة نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- فيها، والدعاء لولاة أمرها بالتوفيق والتسديد والمعونة والثواب الأوفى في الدنيا والأخرى.
أي امرئٍ إلا ويُلفته هنا *** عدلٌ وأمنٌ واسعٌ ورخاءُ
حتى العِدا لهجوا بذلك في الورى *** والحق ما شهدت به الأعداءُ
وصحائف التاريخ ملأى بالذي *** لا يستطيع لحصرها الإحصاءُ
اللهمَّ إنَّا نسألك أن تجزِي القائمين على خدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما والعناية بقاصديهما، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده خير الجزاء وأوفاه في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين، ونسألك أن تحفظهم بحفظك، وأن تحوطهم بعنايتك، وأن تكلأهم برعايتك، وأن تجزي أمير هذه المدينة خير الجزاء وأوفاه، وأن توفقه لما فيه الخير لهذه المدينة وأهلها وزائريها وقاصديها، ونسألك أن تحفظ هذه البلاد المبارَكة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة بحفظك، وأن تحوطها بعنايتك من كيد الكائدين ومكر الماكرين.
اللهمَّ تقبل من الحُجَّاج حجَّهم وصالحَ أعمالهم، ورُدَّهم إلى ديارهم وأهليهم بذنب مغفور وتجارة لن تبور يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وتقبل من المسلمين في كل مكان صالح أعمالهم، وحقِّق لهم جميل آمالهم يا أكرم الأكرمين.
اللهمَّ إنَّا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا ربَّ العالمينَ.
ألَا وأكثِرُوا من الصلاة والسلام في يوم الجمعة وفي سائر الأيام على الدوام على سيد الخلق وصفوة الأنام؛ اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته الغُرِّ الكرام، وعلى من اتَّبَعهم بإحسان ما تولَّى عامٌ وتوالى إنعام.
اللهمَّ إنَّا نسألك مِنْ خيرِ ما تَعلَم، ونعوذُ بكَ من شر ما تَعلَمُ، ونستغفركَ لِمَا تَعلَمُ؛ إنكَ أنتَ علامُ الغيوبِ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
عباد الله: استديموا فضل ربكم بشكره، واحفظوا نعمته باتباع أمره، والهجوا بدعائه وذِكْرِه.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ:180-182].
التعليقات