التفاؤل بالخير ونبذ التشاؤم

عبدالله الجهني

2025-07-25 - 1447/01/30 2025-07-26 - 1447/02/01
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/التحذير من التشاؤم بشهر صفر 2/الشؤم كل الشؤم في اقتراف الذنوب والآثام 3/الوصية بالطاعة وتقوى الله تعالى 4/الدعوة للتفاؤل وانتظار الخير من الجواد الكريم

اقتباس

جاء الإسلام ليهزم معتقَدات الجاهليَّة، ويبني للمسلم العقيدة الصحيحة المبنيَّة على صحة التوحيد، وقوة اليقين، والابتعاد عن الأوهام والخيالات التي تعبث بالعقول؛ فاحذروا التشاؤم والطيرة؛ لأنَّها توقع البلاء وسوء الظن، وذلك دأب الجاهلين والكفار...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها الناسُ: اتقوا الله تقوى مَنْ أناب إليه، واحذروا مخالفةَ أمره حذرَ مَنْ يُوقِن بالحساب والعَرْض عليه، واعبدوه مخلصينَ له الدينَ، ورَاقِبُوه مراقبةَ أهل الإيمان واليقين، وتيقَّظوا مِنْ سَنَةِ الغفلاتِ؛ فقد انقضى مُحرَّمٌ وحلَّ بكم صَفَرُ، وتنبهوا من رقدة الجهالات؛ واعتبروا بمرور الأيام؛ فالسعيد من اعتبر.

 

واعلموا أن الله -تعالى- بعَث رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- بالهدى، وبصَّر به من العمى؛ ذهبت بأنواره ظلماتُ الجاهليَّة الجهلاء، وعصبيتُها وفخرُها بالآباء، واستقسامُها بالأزلام وتشاؤمها بالأيام والأنواء، فلا شؤم لصفر، ولا جمود لجُمادى، ولا سعادة ليوم ولا نحس لأربعاء، فجاء الإسلام ليهزم معتقَدات الجاهليَّة، ويبني للمسلم العقيدة الصحيحة المبنيَّة على صحة التوحيد، وقوة اليقين، والابتعاد عن الأوهام والخيالات التي تعبث بالعقول؛ فاحذروا التشاؤم والطيرة؛ لأنَّها توقع البلاء وسوء الظن، وذلك دأب الجاهلين والكفار، قال -تعالى-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التَّوْبَةِ: 51]، ولا تسبوا الأوقات ولا الدهور، ولا تتشاءموا بالأيام والسنين والشهور، ولا تنسبوا النفع والضر إلا إلى من إليه ترجع الأمور، فلا شؤم في شهور ولا أيام، فما قدره لا بد أن يكون، ومعاداة الأيام جنون أيها الأنام، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-: "لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر"(رواه البخاري)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ ردَّتْه الطِّيَرةُ عن حاجته فقد أَشْرَكَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

ألَا وإن أشأم أيامكم ما اقترفتُم من الذنوب والجرأة على ما يُسخِط علَّامَ الغيوب، فالشؤم كله في معاصي الله، والهلاك كل الهلاك في الاجتراء على محارم الله، كما وأن أسعد أيامكم يوم أطعتم فيه مولاكم ذا الجلال والإكرام، فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون: وتوبوا وأنيبوا إلى ربكم واستجيبوا له، وحققوا الإيمان والتوحيد بصلاح الأعمال عن صحة اعتقادها، ولا تعادوا يومًا من الأيام، ولا شهرًا من الشهور، وأحسِنُوا الظنَّ بالله، وتفاءلوا؛ فالفأل رجاء خير، وتوكلوا على ربكم، ورددوا قول: "اللهمَّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك"، أو: "اللهمَّ لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك"، واهتدوا بكتابه، فقد جعل لكل شيء قدرًا، وطهِّرُوا القلوب من دنسها، وسوادها من العداوة والبغضاء والخصام، وسوء النيات وفسادها، وأَلِينُوا الكلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وأفشوا السلامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا بالليل والناس نيام، قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون، قبل أن تردوا إلى عالم الغيب والشهادة، فينبئكم بما كنتم تعملون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:  (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْأَنْعَامِ: 17].

 

نفعني الله وإيَّاكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفى الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وجعلني وإيَّاكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النُّورِ: 31].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.

 

أما بعدُ: فمن مشكاة النبوة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا طيرةَ، وخيرُها الفألُ، قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم"(رواه البخاري)؛ تفاءلوا -عبادَ اللهِ- فكلُّ بلاء دونَ النارِ عافيةٌ، وكلُّ ضيقٍ دونَ القبرِ سعةٌ، وكلُّ ذنبٍ دونَ الشركِ مغفورٌ، حتى لو لم نرَ جمالَ المصائب؛ فكل ما قدره الجليل هو الجميل، فاتقوا الله -عباد الله- في السر والعلن، وأصلحوا ما ظهر من أعمالكم وما بطن، واستعملوا جوارحكم في طاعته شكرًا، وحافظوا على ما جاء به نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وأكثِرُوا من الصلاة عليه؛ ففي الصلاة عليه تنال الأجور والفوز والقَبول، بكثرة الصلاة عليه تنحل العقد وتنفرج الكروب، وتقضى الديون.

 

اللهمَّ صل وسلم عليه، وارض اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء، وبقية العشرة الكرام، وأزواج نبيك المصطفى -عليه الصلاة والسلام-.

 

اللهمَّ إنَّا نسألك أن تعز الإسلام يا من برحمته على عباده تفضل، وأن تعلي شأن المسلمين وتتوجهم بتاج النصر والظفر، وأن تشمل بعنايتك وتوفيقك من قام بخير عمل، وصلح على يديهما البلاد والعباد؛ خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، نصرهما الله بنصره، وأيدهما بتوفيقه وعونه، اللهمَّ واحفظ جميع ولاة أمور المسلمين، ووفقهم للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

اللهمَّ أنج المسلمين المستضعَفين في فلسطين، اللهمَّ يا مغيث أغثهم، اللهمَّ أطعم جائعهم، وأمن خائفهم، وآو مشردهم، واكس عاريهم، واشف مريضهم، وفك حصارهم، واجعل لهم من لدنك وليًّا، واجعل لهم من لدنك نصيرًا، اللهمَّ اشدد وطأتك على اليهود الغاصبين.

 

اللهمَّ احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهمَّ قو عزائمهم، وسدد سهامهم، واكبت أعداءهم، وانصرهم على القوم الباغين يا ربَّ العالمينَ، ونسألك اللهمَّ يا حي يا قيوم، يا من لا تأخذه سنة ولا نوم، أن تعطي السائل منا والمحروم، وأن ترزقنا رزقًا حلالًا طيِّبًا، يا من يقول للشيء كن فيكون.

 

اللهمَّ وفقنا لطاعتك وخدمتك وما تحبه وما ترضاه، اللهمَّ طهر قلوبنا من الشرك والنفاق والحقد والحسد والطمع والبغضاء والمعاداة، اللهمَّ أحسن ختامنا، وتوفنا على كلمة لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ، واغفر اللهمَّ للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع مجيب الدعوات.

 

اللهمَّ اسقنا الغيث والرحمة، ولا تجعلنا من القانطين، اللهمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك، اللهمَّ ارحم عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، إنَّكَ على كل شيء قديرٌ.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

التفاؤل بالخير ونبذ التشاؤم.doc

التفاؤل بالخير ونبذ التشاؤم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات