المروءة والخلق والحياء

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-09-19 - 1447/03/27 2025-10-12 - 1447/04/20
عناصر الخطبة
1/ الحثّ على مكارم الأخلاق والترغيب فيها 2/من علامات حُسْن الخلق 3/من أخلاق الإسلام الفاضلة 4/أنواع الحياء ومجالاته.

اقتباس

فالحياء أنواعه ومناحيه ثلاثة: أعظمها حياء العبد من ربه -سبحانه وتعالى-، باعث هذا الحياء هو إيمانٌ بالله، وخوفٌ منه -سبحانه وتعالى-، وخشيته ورجاؤه، فلا يحب أن يراه الله على حالٍ لا يحبه الله عليها، وفي هذا –أيها المؤمن- حالك مع ربك في خلواتك قبل حالك معه -سبحانه- في جلواتك وأمام الناس.....

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أَيُّهَا المؤمنون: إن دينكم دين الإسلام دينٌ عظيم، شرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيه ما يُصْلحكم في الدنيا والآخرة، وفيه إصلاح معاشكم وإصلاح معادكم، ومن ذلك من جاء في هذا الدين من الحثّ على مكارم الأخلاق والدعاية إليها، والترغيب فيها، وترتيب الأجور العظيمة الفاضلة عند الله على تحقيقها، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنّ مِن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".

 

 إن حُسْن الخلق ليس فقط هو دعايةٌ باللسان، وإنما هو تلبُّسٌ بالحال والفعال في سَمْت الإنسان؛ عند نطقه ينطق بحسن الخلق، وإذا سكت سكت بالخلق، وهذا -يا عباد الله- مما يجعل المسلم قدوةً في دين الله -جَلَّ وَعَلا- يُحتذى به ويُتأسى به، إذا رأى الناس الآخرون أنه في أخلاقه وفي حاله وفي سلوكه على هذا الدين العظيم.

 

 وإن من أخلاق الإسلام الفاضلة -يا عباد الله-: خُلق الحياء؛ هذا الخلق النفسي الذي يظهر أثره على جوارح الإنسان، على نطقه بلسانه، وعلى حركاته بحركاته وسكناته، وعلى أحواله، وقد جاء في اللفظ الجامع عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى أن إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

 

والحياء -يا عباد الله- جعله -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- خصلة من خصال الإيمان وشعار من شعائره الظاهرة؛ ففي حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- المخرَّج في الصحيحين قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق والحياء شعبةٌ من شعب الإيمان".

 

ما هو هذا الحياء الذي جعله الشارع بهذه المثابة، وعظَّم من شأنه نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟

 

إنه خلقٌ فاضلٌ كريم، يحمل على معالي الأمور وعلى تتمة الصلاح فيها، ويحجز صاحبها عن سفاسف الأمور وسوافلها، كما تستحي -يا عبد الله- من الناس أن يرونك على حالٍ لا تحب أن تُرى عليها فاستحِ من الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واستحِ من نفسك.

 

فالحياء أنواعه ومناحيه ثلاثة:

 أعظمها حياء العبد من ربه -سبحانه وتعالى-، باعث هذا الحياء هو إيمانٌ بالله، وخوفٌ منه -سبحانه وتعالى-، وخشيته ورجاؤه، فلا يحب أن يراه الله على حالٍ لا يحبه الله عليها، وفي هذا –أيها المؤمن- حالك مع ربك في خلواتك قبل حالك معه -سبحانه- في جلواتك وأمام الناس.

 

نوعٌ ثاني: حياءٌ من الناس أن يأثروا عنك الفعل القبيح، أن يأثروا عنك كذبًا أو غدرًا أو لؤمًا، أن يأثروا عنك نفاقًا أو رياءً، أن يأثروا عنك ما تُذمُّ به، وهذا أبو سفيان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنِف في جاهليته قبل أن يسلم أن يأثر عليه ملك الروم هرقل، أن يأثر عليه كذبًا، مع ما في قلبه من الحقد والشنآن وقتئذٍ على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فقد قدمه هرقل لما جاء هرقلَ كتابُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يدعوه إلى الإسلام، سأل جماعته وقومه ومستشاريه: أفي بلادنا أحدٌ من رهط هذا الرجل؟

 

وكان أهل مكة في رحلة الصيف، فدعوهم، ثم لما دخلوا على هرقل عظيم الروم قال: أيكم أقرب من هذا الرجل نسبًا؟ فقال أبو سفيان: أنا، وأبو سفيان ابن عم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في الدرجة الثانية، فقال لترجمانه: مُرْه فليتقدم، ثم أشار إلى أصحابه من قومه: إني سائلٌ هذا الرجل أسئلة فإذا كذب فاغمزوني، فسأل هرقل أبا سفيان أحد عشر سؤالاً، وحاول أبو سفيان ألا يجيب فيها إلا بالصدق إلا في موضعٍ واحد أظهر ما فيها من شنآنه، قال: هل يغدر؟ قال: لا، ولكنا وإياه في هدنة، ولا ندري ما هو صانعٌ فيها، ويعلم أبو سفيان علم اليقين أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لا يغدر، لأن الغدر خلقٌ ذميم لا يليق بالمؤمن، ولا يليق بأهل الإسلام وأهل الإيمان.

 

مر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- -يا عباد الله- على رجلٍ يعظ أخاه؛ أي ينصحه في الحياء، يقول: لا تستحي، لماذا أنت تستحي؟ فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "دعه، فإن الحياء لا يأتِ إلا بخير".

 

النوع الثالث من الحياء -يا عباد الله- حياءٌ من نفسك أن توردها في موضعٍ تتمنى غدًا أن لم توردها فيه، ولهذا أصحاب المروءات وأصحاب النفوس الكريمة والهمم العالية إذا أورد نفسه موردًا يقل فيه الحياء أصبحت نفسه تلومه مدةً طويلة.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: الحمد لله، الحمد لله الذي حثنا على ما يعلينا في الدنيا والآخرة، وعلى ما يرفع درجاتنا عنده وعند خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 إن من الناس من يستحي ممن هو أعلى منه ولا يستحي ممن هو دونه، ومن ذلك -أيها الإخوة- في خلواتكم نهاكم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أن يتجرد الرجل من ثيابه، قال: "إن معكم من لا يخالفوكم إلا في خلائكم فاستحيوا منهم" ؛ يعني: ملائكة الله الحفظة، وكل واحدٍ منا معه ثمانٌ من هؤلاء الملائكة الحفظة؛ أربعةٌ بالنهار وأربعةٌ في الليل، يتعاقبون فيكم في صلاتي الفجر والعصر، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرعد: 11].

 

 والحياء -يا عباد الله- ليس هو فقط في الأخلاق، وفي الأقوال والأعمال، إنما هو الحياء في المروءة، والحياء في الأدب، والحياء في الحشمة، ما بال فئامٍ من نساء المسلمين تجردن أو كدن أن يتجردن من لباس الحياء، في ألبستهن، وفي كلامهن بالهاتف، وفي مخاطبتهن لأزواجهن وآبائهن وأمهاتهن.

 

 نعم -يا عباد الله-؛ إن الحياء هذا السربال العظيم، هذا الثوب الكريم، ما أسبله الله علينا إلا لنتأدب به ونستقيم عليه، ويظهر ذلك في أقوالنا وفي حركاتنا، وفي جوارحنا، وفي سائر أحوالنا، امرأةٌ من المسلمين تستحي أن تخاطب الرجال الأجانب، وهذا من الحياء، إذا مشت في طريقها أخذت جانب الطريق عن الرجال، وهذا من الحياء.

 

أما أن يكون لسانها طويلاً، أو أن تكون جرأتها عظيمة فتزاحم الرجال في الأسواق، وعند المساجد وفي الطواف، وترفع صوتها عليهم، فإن هذا –والله- من قلة الحياء، ومن سوء التربية، وترجع الملامة فيها على نفسها وعلى من رباها من والديها، وأشنع من ذلك إذا كان وليها وزوجها يرضى منها بذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله. "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى أن إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.

 

اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.

 

اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.

 

 اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.

 

اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.

 

 اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

المروءة والخلق والحياء.doc

المروءة والخلق والحياء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات