وصايا ومواعظ

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2025-07-04 - 1447/01/09 2025-07-06 - 1447/01/11
عناصر الخطبة
1/نصائح ووصايا لنيل الخير واجتناب الشر 2/الوصية بالصبر وعدم القنوط 3/التحذير من الظلم والطغيان 4/أهل الهمم العالية هم الفائزون

اقتباس

الوقت صعب فَفِرُّوا إلى الله، واصبروا على ما أصابكم، وإيَّاكم والقنوط من رَوْح الله -تعالى-، فنحن في بلاء عظيم، إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا ربكم العافية، أتدرون من هم أهل البلاء؟ هم أهل الغفلة عن الله -تبارك وتعالى-، وقد...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله مُنزِل الكتابِ، ومُفَصِّل الخطابِ، وفاتحِ الأبوابِ، ومانحِ أسبابِ الثوابِ، نحمده -سبحانه وتعالى- وهِبَاتُهُ تَنزِلُ بغيرِ حسابٍ، ونعبده وإليه المرجع والمآب، ونرجوه ونخافه فبيده الثواب والعقاب، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة مقدمات دلائلها مبينة الأسباب، ونتيجة اعتقادها جنة مفتحة الأبواب، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي الأواب، أرسله وقد طال زمن الفترة ونسيت الآداب، وبعد عهد النبوة، فزال الحق وانجاب، فمنازل الْهُدَى خراب، ومعاهده لا تعتاد ولا تنتاب، وللناس بالشهوات والشبهات إعجاب، حتى أفرد النظر بالدنيا وادعي تعدد الأرباب، فاختار الله -تبارك وتعالى- نبينا محمدًا في أشرف الأنساب، وخيرة الأحساب، نذيرًا بين يدي العذاب، وبشيرا لمن أطاع الحق وأجاب، وأيده بمعجزات تدفع عارض الارتياب، وتكشف أنوار اليقين ليس دونها حجاب، وتدع القلوب مطمئنة، لا ترتاع من جانب الشُّبُهات ولا ترتاب، فصلى الله -تبارك وتعالى- عليه صلاةً وسلامًا يدخل فيهما الآل والأصحاب، اللهمَّ صل وسلم على أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله الأوتاد، أُولِي الألباب، وصحبه الأقطاب، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت العزيز الوهاب.

 

اللهمَّ اجعل مسجدنا في أمن وأمان، والقائمين والمصلين فيه وجميع الأصحاب.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمُ: لا تغتمَّ لغد، واعمل في اليوم لغد، وإذا أتاك الله -تبارك وتعالى- من الدنيا سلطانًا فلا تَفرَحْ به، وإِنْ صرَف عنكَ فلا تأسَ عليه، وكُنْ حَسَنَ الظنِّ بالله، وَضَعْ يدَكَ على قلبِكَ، فما أحببتَ أن تصنَع بنفسِكَ فاصنَعْ بأخيكَ، ولا تغضَبْ فإنَّ الشيطانَ أقدرُ ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فَرُدَّ الغضبَ بالكظم، وسكِّنْه بالتؤدة، وإياكَ والعَجَلةَ؛ فإنكَ إذا عجلتَ أخطأتَ، وكن سهلًا لينا للقريب والبعيد، ولا تكن جبارًا عنيدًا، ولا تكن جبارًا عصيًّا، لا تكن قتَّالًا للنفس التي حرَّم اللهُ قتلَها، اتقِ اللهَ واتقِ المحارمَ، تكن أعبدَ الناسِ، وارضَ بما قسَم اللهُ لكَ تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، واحرص في كل وقت على دوام الطاعة لمولاك، وحرمة المسلمين والنصيحة لهم، وإياك وأذاهم، فإن الله -تعالى- يغار على حرماته، وإياك أن تعيب الزمان، فإن العيب فينا.

 

يعيب الناسُ كلُّهُمُ الزمانَا *** وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا *** ولو نطَق الزمان إذًا هَجَانَا

 

أيها المؤمنون: احرصوا على إيمانكم في هذا الزمان، فإنَّه لم يبق مع غالب الناس عمل يعتمد عليه، وأمَّا الأعمال الصالحة فقد تودع منها لكثرة العِلَل وعدم الإخلاص، عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب.

 

الوقت صعب فَفِرُّوا إلى الله، واصبروا على ما أصابكم، وإيَّاكم والقنوط من رَوْح الله -تعالى-، فنحن في بلاء عظيم، إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا ربكم العافية، أتدرون من هم أهل البلاء؟ هم أهل الغفلة عن الله -تبارك وتعالى-، وقد حدث ما حدَث في أرضنا من الخراب، والويل المبير والتباب، وكانت لعمر الله بلادًا مونقةَ الأرجاء، رائقةَ الأنحاء، ذاتَ رياض أريضة، وأهوية صحيحة، قد تغنت أطيارها فتمايلت طربًا أشجارها، وبكت أنهارها، فتضاحكت أزهارها، وطاب روح نسيمها، فصح مزاج إقليمها.

 

أرضُنا مبارَكةٌ، وأهلُها أشرافٌ، أطفالُنا رجالٌ، ورجالُنا أبطالٌ، ومشايخُنا أبدالٌ، شواهدُ مناقبهم باهرةٌ، ودلائل مجدهم ظاهرة، بل ابتلاهم فوجدهم شاكرينَ، وبلاهم فلقاهم صابرينَ، فألحَقَهم بالأبرار ورفَعَهم إلى درجة الأخيار.

 

تغيَّر الزمانُ، وأصبحنا كالأيتام على مأدبة اللئام، انظروا وأنتُم كلُّكم أهلُ نظرٍ، كيف كنا وكيف أصبحنا، كنا في رغد من العيش، نعيش في أمن وأمان، نعيش في قصور عالية البنيان، أصبحت تلك القصور كالممحو من السطور، وأمست تلك الأوطان مأوى للغربان، تتجاوب في نواحيها البوم، وتتناوح في أرجائها الريح السموم، ويستوحش فيها الأنيس، ويرثي لمصابها إبليس؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، من حادثة تقصم الظهر، وتهدم العمر، وتفت في العضد، وتوهي الجلد، وتضاعف الكمد، وتشيب الوليد، وتسود القلب.

 

أحسَن اللهُ -تبارك وتعالى- عزاءكم في مصابنا، وصبَّرنا وإيَّاكم على ما دهى به حوزة الدين، وأثابَنا وإيَّاكم وجميعَ المؤمنين، وسامَحَنا وإيَّاكم بما أهملناه من رعاية المستضعَفين، يجب على المسلمين كلما اجتمعوا أن يتواصوا بالصبر، ويتواصوا بالحق، قال الله -تعالى-: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 3]، من صبر على صبر فهو الصابر، لا من صبر وشكى، لا حول ولا قوة إلا بالله، قول الصابرين، والحمد لله رب العالمين، قول الشاكرين، فرحم الله ذلك الوجه ونضره، ثم السبيل إلى الجنة يسره.

 

سلامٌ مِنَ اللهِ على أمة قامَتْ وصامَتْ وصلَّتْ وزكَّتْ وحجَّتْ؛ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 24].

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله القادر على ما يشاء، له الْمُلْكُ والفَناءُ، وله العزُّ والبقاءُ، وله الحكمُ والقضاءُ، وله الأسماءُ الحسنى، لا دافعَ لِمَا قضى، ولا مانعَ لِمَا أَعطى، يفعل في مُلكِه ما يريدُ، ويَحكُمُ في خَلقِه ما يشاء، لا يرجو ثوابًا، ولا يخاف عقابًا، ليس عليه حقٌّ، ولا عليه حُكْمٌّ، وكلُّ نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل؛ (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 23].

 

نحمد الله -تعالى- بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته، في أشرف أوقات معارجهم، ونطق بها أعظم أنبيائه، في أكمل أوقات شهاداتهم، ونحمده بالمحامد التي يستحقها، عرفناها أو لم نعرفها، فلك الحمد يا ربنا على ما أوليتنا من نعمك وعطائك، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، إله يجيب سائله، ويثيب آمله، ويطيب لراجيه نائله، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، المقتدى به في العبادات والأذكار، وما كتب في صحائف الأبرار، في الليل والنهار، وصلواته على ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، وارض اللهمَّ عَنَّا برحمتك يا أرحم الراحمين، ارحم أهلنا في أرضنا المبارَكة، ويسر أمرهم، وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتول أمرهم، وكن معهم يا الله يا كريم، وارحم المسلمين في مسجدنا المبارك، وجميع العاملينَ الصالحينَ المخلصينَ.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: إيَّاكُم والظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، إيَّاكُم والفحش؛ فإن الله -تعالى- لا يحب الفحش ولا التفحش، إيَّاكُم والشح؛ فإنما أهلك من كان قبلهم الشح؛ أمركم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالظلم فظلموا.

 

إن البغي والظلم عظيم الوبال، وسفك الدم الحرام من النقمة في الدنيا والآخرة، فلا تقتلوا أنفسكم، وكونوا عباد الله إخوانًا، واعتصموا بحبل الله جميعًا، وإيَّاكم والخلاف والفرقة؛ فإن الخلاف يهيج العداوة، والعداوة تستنزل البلاء، من ظن بمسلم فتنة فهو المفتون، يقول أحد الصالحين: "ما استصغرتُ أحدًا من المسلمين إلا وجدتُ نقصًا في إيماني".

 

مَنْ تعرَّض لمحبة الله جاءته المحن والبلايا والآفات من سائر الأقطار، إنما يحمل البلاءَ الهِمَمُ القويةُ، لا الأجسام، هِمَّتُكَ -أيها المسلمُ- فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال والأحوال، ما عمل عبد بما أمر الله -تعالى- عند فساد الأمور وتشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي إلا جعله الله -تعالى- إمامًا يقتدى به، هاديًا مهديًا، وكان غريبًا في زمانه.

 

وتذكَّروا -أيها المؤمنون- أن طريق الحق بعيد، والصبر مع الله شديد، فالأبصار قويَّة، والبصائر ضعيفة، الصبر من أخلاق الرجال، والرضا من أخلاق الكرام.

 

والله المسؤول أن يلهمنا رشدًا يدلنا عليه، ودلالة تهدينا إلى ما يُزلِفُنا لديه، وهداية يسعى نورها بين أيدينا إذا وقفنا يوم العرض بين يديه.

 

صرَف اللهُ قلوبَنا وقلوبَكم عن غواية الخطأ، وغواية الخَطَل، وبصَّرنا بهداية العمل، عن عماية الزلل، وأخذ بأيدينا عن معانقة الأمل، إلى مراقبة الأجل، وأظلنا بظل عرشه في الموقف الجلل، وهدانا إلى اتباع خير الرسل، وملة أشرف الملل.

 

اللهمَّ يا سامعَ الأصواتِ، يا مجيبَ الدعواتِ، يا مُقِيلَ العثراتِ، أنتَ الغنيُّ الكريمٌ، فلا تُخَيِّبْ رجاءَنا، ولا تَرُدَّ دُعاءنا، واجعلنا آمنينَ من عذابكَ قبلَ الموتِ، وبعدَ الموتِ، وعندَ الموتِ، وَسَهِّلْ علينا سكراتِ الموتِ، فإنكَ أنتَ أرحمُ الراحمينَ.

 

اللهمَّ إنَّا نسألكَ الْهُدَى والتقى والعفاف والغنى، نسألك اللهمَّ علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعا، ولسانا ذاكرًا، وعملًا صالحًا متقبلا يا ربَّ العالمينَ، نسألك اللهمَّ أن تغفر الذنوب، وأن تبين الدروب، وأن تستر العيوب، وأن تفرج الكروب، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

وصايا ومواعظ.doc

وصايا ومواعظ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات