أيُّها المُتَكَبِّرُ
راشد بن عبد الرحمن البداح
1
أيُّها المتكبِّرُ ( راشد البداح – الزلفي) 25 ربيع الآخر 1447هـ
الحمدُ للهِ لا مانِعَ لما وهَبَ، ولا واهِبَ لما سَلَبَ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ المرجوُّ لكشفِ الكُرَبِ، وأشهدُ أنّ نبيَّنا محمَدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الأسوَةُ في حُسنِ الأدَبِ، صلّى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى أصحابِهِ ذَوِيْ الرُّتَبِ، أما بعدُ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
إنهما عِبارتانِ في القرآنِ معناهُما واحدٌ، عِبارتانِ جميلتانِ -وكلُّالقرآنِ جميلٌ-: الأُولى: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) والثانيةُ: (هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رِّبِّي).
أما الأُولى فقد قالَهَا نبيُّ اللهِ سليمانُ -عليهِ السلامُ- حينَما أَحضَرَ له الجنُّ عرشَ ملِكَةِ اليَمَنِ إلى بيتِ المَقدسِ في طَرْفةِ عَينٍ، فقالَ: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي).
والثانيةُ: قالَهَا الملِكُ الصالحُ ذُو القرنَيْنِ، حينَما مكَّنَهُ اللهُ بالقوةِالخارقةِ، فجاءَ بِزُبَرِ الحديدِ، وأفرَغَهُ قِطْراً، وصَنَعَ رَدْماً عظيماً،سَجَنَ خَلْفَهُ يأجوجَ ومأجوجَ، ثم: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَبِّي).
فلنتعلمْ منَ النبيِّ والمَلِكِ أنَّ كلَّ إنجازٍ فلْنَرُدَّهُ إلى فضلِ ربِّناورحمتِهِ. فإنْ لم نفعلْ فسيُصيبُنا مرضٌ خطيرٌ جداً، ألا وهوَ الكِبْرُ والتكبُّرُ، الذي لَا يَلِيقُ إِلَّا بِرَبِّنا المتكبِّرِ.
والكِبْرُ أوّلُ ذنْبٍ عُصِيَ اللهُ به، حينَ عَتَا إبليسُ على ربِّهِ، وأُخرِجَمن الجنّةِ بسبَبِهِ، وقيلَ لهُ: (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها). والكِبْرُهو الذي زَيَّنَ لإبليسَ تركَ السّجودِ، وهوَّنَ عليهِ سَخَطَ الرّبِّ، وزهَّدَهُ في جوارِ الملائكةِ، وجَمَعَ له خِلالَ الشّرِّ، لأنّهُ حَسَدَ والحَسَدُ ظُلمٌ، وكَذَبَوالكذِبُ ذُلٌّ، وخَدَعَ والخَدِيعةُ لُؤْمٌ. وحَلَفَ على الزُّوْرِ، وذلك فُجورٌ،وخطَّأ ربّهُ، وتخطِئةُ اللهِ كُفرٌ().
والشيطانُ المتكبِّرُ هوَ الذي ينفُخُ في صَدْرِ الإنسانِ؛ ليكونَمتكبِّراً، ولذا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنَ الشَّيْطَانِ، مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْثِهِ، وَنَفْخِهِ. وَنَفْخُهُ: هُوَ الْكِبْرُ().
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رحمهُ اللهُ-: التَّكَبُّرُ شَرٌ مِنَ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَتَكَبَّرُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَالْمُشْرِكَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَغَيْرَهُ().
فكَيْفَ يَتَكَبَّرُ مَنْ خَرَجَ مِنْ سَبِيلِ الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ؟! وكيفَ يَلِيقُ الكِبْرُبمن إن جاعَ انصَرَعَ، وإن شَبِعَ طَغَى؟! وكيفَ يَستحِقُّ الكِبْرَ،ويَستوجِبُ العَظَمةَ من يأكلُ ويشربُ، ويبولُ؟
ولو عَرَفَ أحدُنا نفسَهُ حقاً؛ لعَرَفَ أنهُ أرذَلُ عبادِ اللهِ -تعالَى-وأحقَرُ وأضعفُ الخلقِ، وليتفكرْ في هذهِ الآيةِ: (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ، فَقَدَّرَهُ). فأصلُهُ الترابُالذليلُ، والماءُ المَهِيْنُ، والدمُ المستقذَرُ، ثمَّ قد خلقَهُ اللهُ -سبحانَهُ- ورزقَهُ،ودفعَ عنهُ آفاتِ الجوعِ والعطشِ والمرضِ والبردِ والألمِ والتعبِ، ودَفَعَ عنه المِحَنَ المختلفةَ، وهوَ لا يأمَنُ على نفسهِ أيَّ بليةٍ، فيخافُ أن يتألَّمَ أو يَمرَضَ أو يَعمَىَ، وآخِرُهُ يخافُ أن يموتَ، وحينَها لا يبقَى له سمْعٌ ولا بصَرٌ ولا قوةٌ ولا جمالٌ، ويُنتِنُ وينتفِخُ في ساعةٍ، ويصيرُ في بطونِالحشراتِ().
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا … أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ()
ولما قالَ متكبِّرٌ لحكيمٍ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟! فَقَالَ: بَلَى أَعْرِفُكَ؛ أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ تَحْمِلُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْعُذْرَةَ().
الحمدُ للهِ حمدَ الشاكرينَ، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ خيرِ الحامدِينَ، أما بعدُ:
فاعلمْ أنَّ التكبُّرَ على أنواعٍ؛ فمِنْ مُتكبِّرٍ بالمالِ، ومتكبرٍ بالقوةِ،ومتكبرٍ بالعلمِ، فتجِدُ بعضَهُم {ثَانِيَ عِطْفِهِ} مستكبِراً فِي نَفْسِهِ، يَتَعَاظَمُ على الناسِ يومَ أعطاهُ اللهُ مالاً أو جاهاً أو منصِباً، أو عِلْماً أو نَسَباً.
قالَ الحُكماءُ: مَن أصابَ حَظّاً من دنياهُ، فأصارَهُ ذلكَ إلى كِبْرٍوتَرَفُّعٍ، فقد أعلَمَ أنه نالَ فوقَ ما يَستحِقُّ، ومَن تواضَعَ فقد أعلَمَ أنهُنالَ دونَ ما يَستحِقُّ. ولم يتكبَّرْ أحدٌ قطُّ إلّا لنَقْصٍ يَجِدُهُ في نفسِهِ().
وقَالَ حَكِيْمٌ: مَا الْكِبْرُ إلَّا حُمْقٌ لَمْ يَدْرِ صَاحِبُهُ أَيْنَ يَصْرِفُهُ، فَصَرَفَهُإلَى الْكِبْرِ().
أَتَدْرِي ما حالُ المتكبِّرِينَ يومَ القيامةِ؟!
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ. رواهُ الترمذيُّ وحسَّنَهُ(). وقَالَ: مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ، أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ().
فيا مَن يرَى في نفسِهِ تكبُّراً، ويُريدُ عُلُوَّاً في الأرضِ: اعلمْ أن الأرضَ التي تدُوسُها الآنَ ستكونُ سَقْفَكَ غداً، ونحنُ في هذهِ الحياةِضيوفٌ مرتحِلُونَ، وسنذهَبُ منها مُفْلِسِينَ، إلا من الذِّكرِ الجميلِوالعملِ الصالحِ.
ألا فلنغادِرْ دُنيانا متواضِعِينَ متسامِحِينَ، قَنُوعينَ مقتنِعِينَ بما عندَنا، ولنَجعلْ شِعارَنا قولَ أبِي بكرٍ الصديقِ -رضيَ اللهُ عنهُ-: لا تحقِرَنَّ أحدًا من المسلمينَ؛ فإنَّ صغيرَ المسلمينَ عندَ اللهِ كبيرٌ().
{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا}.
• فاللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ().
• اللهم يَا كَثيْرَ النَّوَالِ، يا حَسَنَ الفِعَالِ: إِنّا عَائِذونَ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا. اللهم أعنَّا على ذكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادَتِكَ.
• اللهم آمِنْ أوطانَنا، واخذُلْ عدوانَنا، وَاحْفَظْ جُنُودَنَا وَحُدُوْدَنا، واجمعْ على الهُدَى شؤونَنا، واقضِ اللهم دُيونَنا.
• رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَومِ الظَّالِمِينَ، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنا وَأَحْوَالَ المُسْلِمِينَ.
• اللهم وَبَارِكْ فِيْ عُمُرِ وليِّ أَمْرِنَا وَوَليِّ عَهْدِهِ، وَزِدْهُم عِزَّاً وتوفيقاً لِنُصْرَةِ الإِسْلَامِ والمُسْلِمِيْنَ. اللهم صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
المرفقات
1760583484_أيها المتكبر.docx
1760583484_أيها المتكبر.pdf