(خطبة) يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله .

خالد الشايع
1447/05/29 - 2025/11/20 16:49PM

)يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)    30 جماد الأولى 1447

الخطبة الأولى

الحمد لله الأحدِ الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كفؤًا أحد ، نحمده سبحانه على آلائه ونِعَمِه، ونستغفره من ذنوبنا وتقصيرنا، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُنير القلوب وتُعلي الدرجات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوثُ رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه مراقبة من يعلم أنّه إليه راجع، وبعمله مرتهن، وعلى تفريطه نادمٌ يوم لا ينفع الندم.

أيها المؤمنون…
تدبروا قول الله العظيم:

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56]

آيةٌ تقطع القلوب، وتوقظ الغافلين، وتصور ذلك الندم الشديد الذي يأخذ صاحبَه يوم القيامة حين يرى أنه ضيّع طاعة الله، وقصّر في حقه، وفرّط فيما أوجب عليه.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «جنب الله: أي في أمر الله وطاعته».
وقال الحسن البصري: «كلُّ حسرةٍ يوم القيامة فإنما هي حسرةُ التفريط في أمر الله».

أي أن العبد يتمنى لو عاد إلى الدنيا لحظة، ليصلي صلاة، أو يذكر ذكرًا، أو يتوب توبة، ولكن… هيهات.

قال سبحانه:
﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ﴾ [مريم: 39]

يوم الحسرة… يوم يرى المفرط أنه ضيّع الصلاة، وتهاون في القرآن، وأهمل عمره، وأساء إلى الناس، وضيع أمانته، ولم يقدّم لنفسه شيئًا.

ويقول سبحانه ( وجيئ يومئذ بجهنم ، يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ، يقول ياليتني قدمت لحياتي )

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«بادروا بالأعمال سبعًا…» وذكر منها الفتن والمرض والهرم، تنبيهًا أن التأخير والتسويف طريق الندم والحسرة.

وروى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال:
«اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)
وهذا أصلٌ عظيم في معنى: لا تفرّط قبل أن تندم.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
«حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم».

روى أهل السير أن رجلاً من الصالحين حضرته الوفاة، فجعل يبكي بكاءً شديدًا، فقيل له: ما يبكيك؟
قال: «أبكي على أيامٍ ما بكيت فيها»
— يعني ما بكيت فيها من خشية الله، وما استغليتها في الطاعة.

ورُوي عن بعض العُبّاد أنه كان إذا جنّ الليل صاح:
«وا حسرتاه! يوم يذهب من عمري لا يزداد فيه عملي!»
فهؤلاء خافوا التفريط وهم من الأخيار، فكيف بنا نحن المفرطين؟!

ومن نماذج التفريط المنتشر اليوم

– تفريط في الصلاة وتأخيرها.
– تفريط في بر الوالدين.
– تفريط في غضِّ البصر وصيانة اللسان.
– تفريط في تربية الأبناء.
– تفريط في حقوق الزوجات.
– تفريط في القرآن: هجْر، ونسيان، وترك عمل.

والله، لو بعث أصحاب القبور دقيقة واحدة لقالوا:
ركعةٌ واحدة… تسبيحةٌ واحدة… استغفارٌ واحد… صدقةٌ واحدة…
ولكن انتهى العمر، وحضر الندم، وحان قولهم:
﴿ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه ﴾

نسأل الله أن يقينا الحسرة قبل أن تحيط بالعبد إحاطة السوار بالمعصم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أيها المؤمنون…
الآية التي افتتحنا بها حديثنا ليست مجرد وعظ، بل هي رسالةٌ من الله…
تحذيرٌ… وإنذار… وتنبيه… قبل أن يفوت الأوان.

وكلنا ذلك المفرط ، وكل تفريط له علاج ، ومن ذلك :

المبادرة بالطاعات
تجديد التوبة كل يوم
مجاهدة النفس

زيارة المقابر
ملازمة الذكر والقرآن
فهو الذي يحيي القلوب التي أماتها التفريط.

صحبة الصالحين
وقد روى أهل السير أن رجلا كان غارقًا في التفريط والمعاصي، حتى رأى جنازة قريبة منه، فوقف وهو ينظر…
فلما وُضع الميت في قبره، قال الرجل:
«هذا كان يضحك كما أضحك، ويمشي كما أمشي… فماذا أعددت بعده؟»
فكانت تلك اللحظة سبب توبته، وصار من الصالحين.

وهكذا — يا عباد الله — تكون لحظات اليقظة التي تمحو التفريط.

وختاما  يا من قصّر في طاعة ربه…
يا من ضيّع الصلوات…
يا من هجر القرآن…
يا من عقّ والديه…
يا من تهاون في حق زوجته وأبنائه…
يا من غفل قلبه…

تب قبل أن تقول:
﴿ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾

اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح قلوبنا، واغسل ذنوبنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم اجعلنا ممن يأتونك بقلب سليم، غير خزايا ولا نادمين.
اللهم اجعلنا لا نفريط في جنبك، ولا نضيع حقك، ولا نهون في أمرك.

المرفقات

1763646565_خطبة عن قوله تعالى ( يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ).docx

المشاهدات 695 | التعليقات 0