إنجازات بالإجازات

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-06-26 - 1447/01/01
التصنيفات الفرعية: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/الاعتبار بمرور الأيام 2/وقفة مع النفس للمحاسبة 3/نصائح في استثمار الاجازة 4/أهمية التوقيت الهجري

اقتباس

ولما بَكَى التابعيُّ العابدُ يزيدُ الرَّقَاشيُ -رحمهُ اللهُ- قالَ وهو يُخاطِبُ نفْسَهُ: "وَيْحَكَ يَا يَزِيدُ! مَنْ يَصُومُ عَنْكَ؟! مَنْ يُصَلِّي عَنْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟! وَمَنْ ذَا يَتَرَضَّى لَكَ رَبَّكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟!".

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ على نِعَمٍ تترَى، وعلى أرزاقٍ لا نُطيقُ لها حصرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تكونُ لنا ذخرًا، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المخصوصُ بالفضائلِ الكبرَى، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ إلى يومِ الأُخرَى. أما بعدُ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

 

أرأيتمْ -عبادَ اللهِ- إلى القمرِ يَهِلُّ صغيراً، ثم يَنمُو حتى يكونَ بدرَ الكمالِ، ثم يأخذُ بالنقصِ والاضمحلالِ. تماماً مثلَ عامِنا وعالَمِنا؛ طلوعٌوأُفولٌ، وممالكُ تُشادُ، وأُخرى تُبادُ، وربُّك (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يُغيِّرُ ولا يتغيِّرُ!

 

ثم تأملْ بنفسِك! فأنتَ مجموعةُ أيامٍ، لتكونَ عاماً يتلُوهُ عامٌ، وبينَ عامٍ يَمضي وآخرُ يَحُلُّ؛ تَنقصُ أعمارُنا بمقدارِ ما يَمرُّ من أعوامِنا، ثم(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)، وحينَها: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ). والكيِّسُ الفطِنُ مَن حاذَرَ العيشَ في غمرةٍ، فيؤخذَ على غِرةٍ، ويخدعَه الشيطانُ ويغُرَّهُ.

 

فلنقفْ مع أنفسِنا وقفاتٍ للمحاسبةِ بشأنِ ثلاثةِ أمورٍ: رأسِ المالِ، والأرباحِ، والخسائرِ.

 

والمقصودُ برأسِ المالِ كلُّ الفرائضِ، خصوصًا الصلاةَ وحقوقَ العبادِ.

 

أما الأرباحُ فهيَ النوافلُ: الصدقاتُ، وصلاةُ الضحى والرواتبُ والأذكارُ يوميًا، وصيامُ الاثنينِ أسبوعيًا، وصيامُ ثلاثةِ أيامٍ شهريًا، والعمرةُ سنويًا.

 

وأما مراجعةُ الخسائرِ فالحذرُ من أبوابِ الخسائرِ السبعةِ: القلبِ بشبهاتِهِ وشهواتهِ، والفرجِ واللسانِ والعينِ والأذنِ والرجلِ واليدِ.

 

ومَن ظنَّ أنه سيبقَى عاطلاً مِن عملِ الآخرةِ في بعضِ الأوقاتِ فبئسَما يظنُّ!! ألمْ يقُلِ اللهُ سبحانَهُ (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ). قالَ الطبريُّ –رحمهُ اللهُ-: "فإذا فرغتَ من أمرِ دنياكَ، فانصبْ في عبادةِ ربكَ". فلم يُخصِّصْ بذلكَ حالاً من أحوالِ فراغهِ دونَ حالٍ، بل إن أنفاسَهُ محسوبةٌ، ولحظاتِهِ معدودةٌ.

 

ولما بَكَى التابعيُّ العابدُ يزيدُ الرَّقَاشيُ -رحمهُ اللهُ- قالَ وهو يُخاطِبُ نفْسَهُ: "وَيْحَكَ يَا يَزِيدُ! مَنْ يَصُومُ عَنْكَ؟! مَنْ يُصَلِّي عَنْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟! وَمَنْ ذَا يَتَرَضَّى لَكَ رَبَّكَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟!".

 

أيُّها الشبابُ الجادُّونَ، ويا أيُّها الموظفونَ المُجازُون، ويا أيُّها المتقاعدونَ: استثمرُوا حياتَكم وإجازتَكم، وتذكرُوا -أيُّها الشبابُ- آخرَ الإجازةِ وكلٌ قدْ رجعَ بمكاسبَ ونجاحاتٍ، والمسكينُ الكسولُ يجرُّ أذيالَ الخيبةِ والخمولِ والكسلِ. نعمْ، ولا زالَ في شبابِنا خيرٌ كثيرٌ، وإن قصَّرُوا ببعضِ الواجباتِ، فلنُحسِنِ الظنَّ بهم، ولنحفِّزْهُمْ.

 

يا أصحابَ الهممِ العاليةِ: مَن أدركَ قيمةَ الوقتِ رغِبَ في استثمارِهِ، بالتخطيطِ، وبالعزيمةِ الصادقةِ، وبالتعويضِ عما فاتَ. فبهذهِ الثلاثةِ ننجحُ، بل نتفوقُ: التخطيطُ والعزيمةُ والتعويضُ.

 

فإن قالَ قائلٌ: ما الأمورُ التي يُمْكنُ قضاءُ وقتِ الفراغِ فيها؟!

 

الجوابُ: كلُ شخصٍ مَهما كانَ ميولهُ سيجِدُ ما يناسبُهُ لقضاءِ فراغهِ بما يعودُ عليه بالخيرِ في دينهِ أو دنياهُ، لكنِ المهمُّ أن تضعَ خطتَكَ اليوميةَ والسنويةَ على ضوءِ أهدافِكَ، ولو كتبتَها لكانَ أدعَى لتطبيقِها ومراجعتِها. وإليكم بعضَ المجالاتِ والإنجازاتِ المقترحةِ المتاحةِ بالإجازاتِ:

 

1. طلبُ العلمِ الشرعيِ: بالقراءة أو الدوراتِ، سواءٌ عن قُربٍ أو عن بُعدٍ.

2. تحديدُ مقدارٍ يوميٍ من تلاوةِ القرآنِ والأذكارِ والأعمالِ الصالحةِ لا تدعُهُ.

3. التسجيلُ في الدوراتِ التعليميةِ، كمجالاتِ الحاسبِ، أو تعلُّمِ لغةٍ.

4. العملُ لدَى الشركاتِ والمؤسساتِ؛ لكسبِ الخبرةِ والأجرةِ.

أسألُ اللهَ أن يباركَ في أوقاتِنا وأعمارِنا، وأن يجعلَ الفراغَ نعمةً لا نقمةً.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِّ المصطفَى، أما بعدُ:

 

فها هوَ عامٌ جديدٌ يُطِلُّ علينا، وإنَّ من بديعِ حكمةِ اللهِ تعالى أن جعلَ طرفَيِ العامينِ بين شهرينِ محرَّمينِ، فذُو الحِجةِ خاتمةٌ، والمحرَّمُ فاتحةٌ، فكأنَّ في ذلكَ إشعارًا للمؤمنِ بأن يَختِمَ عملَهُ بالخيرِ ويفتتِحَهُ بالخيرِ، فاستفتِحْ سَنَتَكَ بكثرةِ الصيامِ في محرمٍ، فقد قالَ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ".

 

أيُها الإخوةُ: التوقيتُ بتاريخِ الهجرةِ النبويةِ، مفخرةٌ إسلاميةٌ، وسُنةٌ عُمَريةٌ، وإننا وإن احتَجْنَا للتاريخِ الميلاديِ في التعامُلاتِ الرسميةِ، وارتبطتْ به مصالِحُنا، فلا أقلَّ من أن نلتزمَ بذكرِ التاريخِ الهجريِ في خصوصياتِنا ومراسلاتِنا، ولا نأنَفَ منه ما دامَ باختيارِنا التعاملُ به.

 

وأما التهنئةُ بالعامِ الهجريِ الجديدِ فلا بأسَ بها؛ لأنها من قَبيلِ العاداتِ لا العباداتِ، فمَن هنّأكَ فهنِّئْهُ، ومن لم يُهَنِّئْكَ فلا تَبْتَدِئْهُ.

 

• فاللهم اقبَلْ ما قدَّمنا من عملٍ على تقصيرٍ في عامِنا الماضي، وأَقبِلْ بقلوبِنا على كل خيرٍ في عامِنا الآتي.

• اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا.

• اللهم إنا نسألكَ بفضلِكَ أن تجعلَ عامَنا هذا عامَ أمنٍ وبركةٍ. عامًا تُسبغُ به علينا نعمَك وترزقُنا شكرَها. عامًا تُعينُ به أئمتَنا وولاةَ أمورِنا للسدادِ، وتهديْهم سبيلَ الرشادِ.

• اللهم وبارِكْ في عُمُرِ وعمَلِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِهِ، وزِدْهُم عزًا لنصرةِ الإسلامِ. وافرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.

• اللهم احفظْ شبابَنا وشوابَّنا من فتنِ الشبهاتِ والشهوات.ِ واجعلهم بارِّينَ بوالدِيهم نافعِينَ لوطنِهِم.

• اللهُمَّ أَعِنَّا ‌عَلَى ذِكْرِكَ و‌شُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

• اللهم احفظْ دينَنا وحدودَنا وجنودَنا، وأجواءَنا وأرجاءَنا.

• اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ ‌طَوَارِقِ ‌اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ يَطْرُقُ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ.

• اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life