عناصر الخطبة
1/التحذير من الظلم 2/أنواع المظالم 3/خطورة الدعاوى الكيدية 4/صورة ونماذج من الدعاوى الكيدية 5/ضرورة التأكد من الاتهامات قبل الفصل فيها.اقتباس
وحدِّث عن دعاوى الكيد بين الموظفين من الإخلال بالنظام والمحاباة بين المراجعين، وأخذ الرشوة والتغيب عن العمل والوسائط، وكلها كذب وكيد وظلم وخيالات لا حقيقة لها. وحدِّث عن ظلم الزوجات وظلم الأزواج والكيد لبعضهم عندما...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].
عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا"(الحديث رواه مسلم).
فلا تظالموا، احذروا أن يظلم بعضكم بعضًا، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ"(أخرجه البخاري ومسلم).
كلما ظلمت جنيت على نفسك ظلمة، ثم ظلمة، ثم ظلمة حتى تأتي يوم القيامة ومعك ظلماتٌ، الله أعلم بعددها.
تظلم نفسك مع الله فتقع في الكفر أو الشرك أو في الشك، وهذا الديوان لا يغفره الله إن لقيت الله بهِ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[سورة النساء: 48]، (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[سورة لقمان: 13].
أو تقصر في طاعة الله، يضيع عمرك في الغفلات والفلتات، وصغائر الذنوب، والعمر مرة واحدة... هذا ظلم... ظلم للنفس ظلم بين العبد وربه، وهذا الديوان تحت مشيئة الله؛ إن شاء غفره وإن شاء عذب به.
وظلم آخر هو ظلم العباد والافتراء على الناس والتعدي على الخلق، الدعاوى الكيدية على الخلق، دعاوى كيدية لا حقيقة لها ولا وجود، وإنما هو ظلم الناس والتشفي منهم، ورميهم بالباطل، وهذا ظلم، ظلم العباد لا يغفره الله -تعالى-، لا يغفره الله إلا بشرطين:
إما أن ترد مظالمهم وتتراجع عن كيدهم.
وإما أن يعفوا عنك ويسامحوك.
وإلا والله فالقصاص...
أهل الدعاوى الكيدية، ظلم الناس وبهتانهم...
القصاص في الدنيا والقصاص يوم القيامة... القصاص في الدنيا انتقام، حوادث، كوارث، تعاسة.
والقصاص في الآخرة حسنات... حسنات وكم تساوي الحسنة يوم القيامة؟ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)[سورة عبس: 34-36].
لماذا الفِرار؟ قيل من أجل حسنة واحدة.
قال سفيان الثوري: "إن لقيت الله -تعالى- بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله -تعالى-؛ أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد" (تنبيه الغافلين للسمرقندي ص380)، وقال ميمون بن مهران في قول الله -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[سورة إبراهيم: 42]؛ "هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم"(تفسير القرطبي).
ولما حُبس البرمكي الوزير سأله ابنه فقال: "يا أبتِ، بعد العزِّ صرنا في القيد والحبس؟ فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها"(الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر 2/122).
دعاوى كيدية لإشباع الأنفس الشيطانية للتشفي للمكر للحقد والغل؛ لخبث النفوس لدفع الضرر والشبهة عن الظالم، دعاوى كيدية لإبطال حق، وإحقاق باطل، وإلحاق الضرر بالناس القوي منهم والضعيف، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"(صحيح البخاري).
يتشاجر اثنان أو أكثر، جيران أو إخوان أو أبناء عم أو زملاء أو أصدقاء، ويكون فيها مدّ أيدي أو عبارات لا تليق، أو ربما نزع السلاح، ثم يسبق أحدهما الآخر إلى الدولة فيكتب عريضة لا نهاية لها، ويدّعي فيها أنهم ضربوا ومدّوا الأيدي وأرادوا القتل وسفك الدم وإطلاق النار، وليس من ذلك شيء مثل الشيطان يسمع الكلمة فيزيد عليها مائة كذبة، إنما هو الكيد والزور والبهتان والظلم حتى يعلو صوته ويلبس غيره التهمة، ويخرج نفسه من القضية.
أو تحدث خصومة بين اثنين أو أكثر أو أُسَر أو قبائل، ويكون فيها اعتداء بالأيدي، وربما السلاح ويكون الخطأ واضحًا ظاهرًا على أحدهما؛ فيذهب الظلمة والمعتدين وأهل الوسائط، وربما أهل الرشاوى، لتغيير الحقائق أو لتهوين القضية أو تضييعها وتمييعها أو تغيير مسارها أو تأخيرها إلى مُدد لا تنتهي، والتعاون على الظلم والبهتان والزور من أجل الضغط على الخصوم لقبول الصلح أو التنازل.
وحدِّث عن دعاوى الكيد بين الموظفين من الإخلال بالنظام والمحاباة بين المراجعين، وأخذ الرشوة والتغيب عن العمل والوسائط، وكلها كذب وكيد وظلم وخيالات لا حقيقة لها.
وحدِّث عن ظلم الزوجات وظلم الأزواج والكيد لبعضهم عندما يختلفان؛ كَيْل للتُّهَم والبهتان والظلم، وربما القذف وطلب التعويض بدون مقابل ولا وجه حق.
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)[سورة إبراهيم: 42]، نعوذ بالله من سيئ الأخلاق، نعوذ بالله من البهتان وظلم الناس، اللهم اهدنا لفعل الخيرات وترك المنكرات.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.
عباد الله: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قال في مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ؛ أسكنَهُ اللهُ رَدغةَ الخَبالِ، حتَّى يخرجَ ممَّا قال"(صحيح الترغيب للألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حالَت شفاعتُهُ دونَ حدٍّ من حدودِ اللَّهِ فقَد ضادَّ اللَّهَ، ومَن خاصمَ في باطلٍ وَهوَ يعلمُهُ، لم يزَلْ في سَخطِ اللَّهِ حتَّى ينزِعَ عنهُ، ومَن قالَ في مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ أسكنَهُ اللَّهُ رَدغةَ الخبالِ حتَّى يخرجَ مِمَّا قالَ"(صحيح أبي داود للألباني)، وفي رواية: "مَن أعانَ علَى خصومةٍ بظُلمٍ، أو يعينُ علَى ظُلمٍ، لم يزَلْ في سخطِ اللَّهِ حتَّى ينزعَ"(صحيح ابن ماجه للألباني).
قال ابن القيم -رحمه الله-: "مَن كاد كيدًا محرمًا؛ فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده وبمثل عمله، وهذه سُنة الله في أرباب الحِيَل المحرمة...".
فيا أيها الناس: اتقوا الله في بعضكم، يا أيها الأقارب، يا أيها الجيران، يا أيها الأزواج؛ لا تظالموا، لا يكيد بعضكم لبعض، خافوا الله.
ويا أيها القضاة والمسؤولون والموظفون، يا شيوخ الشمل ونواب القبائل والمصلحون أوصيكم بالتحري والحكمة والدقة في دراسة القضايا والكتابات والشكاوى والتقارير والدعاوى وأنتم أهل لذلك؛ حتى لا نكون شركاء في الذنب مع أهل الكيد والزور؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[سورة الحجرات: 6].
ردوا المفتري، واردعوا الكذاب، حاولوا الإصلاح وتقريب الوجهات.
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[سورة الأحزاب: 58]
اللهم أصلح فساد قلوبنا ونور بالحق صدورنا.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم