عناصر الخطبة
1/الحسد داء خطير وشر مستطير 2/تعريف الحسد وبيان خطورته 3/أدلة النهي من الكتاب والسنة عن الحسد 4/خطوات عملية لتنقية النفس من داء الحسد 5/توضيح معنى الغبطة 6/العلاج الناجع للحسداقتباس
إنَّ من أعظمِ ما يُعينُ المؤمنَ على الخلاصِ من هذا الداء أن يقفَ على حقيقةِ ما انطوى عليه من أضرارٍ نفسيّةٍ، ومحاذيرَ شرعيّةٍ، وما يترتَّب عليه من عقوباتٍ أُخرويّةٍ؛ فالحاسدُ يزدادُ همًّا وغمًّا، كلما ازداد عبادُ اللهِ نعمةً وفضلًا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الذي أنزلَ علينا من الكُتُبِ أحكمَها، ومن الشرائعِ أحسنَها، ومن الرسلِ أفضلَها، فشرعَ لنا على لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- من الأحكامِ أعدلَها، ومن الآدابِ أكملَها، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ وصحبِه، من احتوى من القلوبِ أسلمَها، ومن النفوسِ أطيبَها، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ تخرجُ الأرضُ أثقالَها.
أمّا بعد: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى اللهِ؛ فاتقوا اللهَ -رحمكم الله-، وتعاهدوا أنفسَكم وأحوالَها، وارقِبوا قلوبَكم وأعمالَها، فإنَّ مكامنَ القلوبِ أصلٌ لأعمالِ الجوارحِ وأعمالِها.
أيها المسلمون: إنَّ من أعظمِ ما يُنغِّصُ على العبدِ طمأنينتَه في هذه الحياةِ، وسعادتَه بعد المماتِ اتصافَه بخُلُقٍ ذميمٍ، ووصفٍ قبيحٍ، تنفرُ منه الفِطَرُ السويّةُ، وتشمئزُّ منه النفوسُ النقيّةُ، وتترفعُ عنه العقولُ الزكيّةُ؛ ذلكم هو خُلُقُ الحسدِ وما أدراكم ما الحسدُ؟! داءٌ خطيرٌ، وشرٌّ مستطيرٌ، متى ما تسلّلَ إلى قلبِ العبدِ وروحِه، إلّا وعكّر عليه صفوَه، وكدّر عليه خاطرَه، وجعلَه يعيشُ في دوّامةٍ من الهمِّ والغمِّ، ودائرةٍ من الحقدِ والبغضاءِ.
الحسدُ -عبادَ اللهِ- آفةٌ قلبيّةٌ خطيرةٌ، تتجلّى في تمنّي الحاسدِ زوالَ النعمةِ عن الغيرِ، وهو صنفانِ، أحدُهما: أن يسعى إلى ذلك بالقولِ أو الفعلِ لتنقلبَ النعمةُ إليه، ومنهم من غايتُه ومُناه أن يراها زالت عن المحسودِ ولو لم ترجعْ إليه، وهذا أخبثُ الصنفين وشرُّهما.
وعلامةُ هذا الداء وأمارته أن يستاء المرءُ من أن يرى عبادَ اللهِ في خيرٍ ونعمةٍ من اللهِ، إذا رأى الحاسدُ -عياذًا باللهِ- أو نما إلى علمِه، أو طرقَ سمعَه بأنّ اللهَ أنعم على عبدٍ من عبادِه بنعمةٍ من مركبٍ أو مسكنٍ أن بسطَ اللهُ له في رزقِه، أو فتحَ له في علمٍ أو منصبٍ أو جاهٍ انقبض قلبُه، واشمأزّت نفسُه، واضطربت روحُه، وتمعّر وجهُه، وتمنّى لو أنّ اللهَ لم يُنعِمْ عليه بها، وسرعةَ زوالِها، قلبُه مفعمٌ بالأنانيّةِ، ومن أثرِ ذلك أن تنكّر لفضلِ اللهِ، وكفر بنعمِه عليه، فلا يرى للهِ عليه نعمةً ولا منّةً.
الحسدُ هو سببُ أوّلِ معصيةٍ عُصيَ اللهُ بها في السماءِ، وسببُ أوّلِ ذنبٍ عُصيَ به في الأرضِ، حينما حسدَ إبليسُ أبانا آدمَ -عليه السلام- لِمَا خصَّه اللهُ به من تكريمٍ وتفضيلٍ، عندما أمرَه بالسجودِ له فأبى واستكبرَ وكان من الكافرين.
وكان أيضًا الدافعَ لأوّلِ جريمةٍ عرفها الوجودُ؛ حينما حسدَ قابيلُ أخاه هابيلَ فقتلَه فأصبحَ من الخاسرين.
وهو -في الأصلِ- خُلُقُ أهلِ الشركِ والكفرانِ، لا أهلِ التوحيدِ والإيمانِ؛ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)[البقرة: 109]، وقال -سبحانه-: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)[النساء: 54].
وهو داءُ الأممِ السابقةِ دبَّ إلى هذه الأمّةِ كما أخبر بذلك الصادقُ المصدوقُ -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن الزبيرِ بن العوّامِ -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "دبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، والبغضاءُ هي الحالقةُ، حالقةُ الدينِ، لا حالقةُ الشعرِ، والذي نفسُ محمّدٍ بيدِه، لا تؤمنوا حتى تحابّوا، أفلا أنبّئُكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم"(أخرجه الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ).
ولفظاعةِ هذا الداء وقبحِ هذا الوباءِ في النفوسِ السويّةِ، تجدُ الحسودَ يبرّر لنفسِه ويُسوّغُ لها ما انطوت عليه من هذا الخُلُقِ الذميمِ؛ (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[ص: 75-76].
ولقد ورد ذكرُ الحسدِ في السنةِ النبويّةِ في أحاديثَ كثيرةٍ متضافرةٍ؛ فعن أنسِ بن مالكٍ -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يهاجرَ أخاه فوق ثلاثٍ"(متَّفَقٌ عليه)، وقال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: "لا تعادوا نعمَ اللهِ. قيل له: وكيف يعادي نعمَ اللهِ؟ قال: الذين يحسدون الناسَ على ما آتاهم اللهُ من فضلِه"(ذكره القرطبي).
ولقد جَبَلَ اللهُ الإنسانَ على محبّةِ نفسِه، والحرصِ على نفعِ ذاتِه، وجعل ذلك مناطًا للتكليفِ، وميدانًا للتزكيةِ؛ (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)[المعارج: 19-21]؛ لذلك قلّما يَسلَمُ عبدٌ ولو من شيءٍ يسيرٍ من هذا الداء، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "والمقصودُ أن الحسدَ مرضٌ من أمراضِ النفسِ، يقصدُ الروحَ لا البدنَ، وهو مرضٌ غالبٌ -أي: يهجمُ على النفسِ- فلا يخلُصُ منه إلا قليلٌ من الناسِ؛ ولهذا يُقال: ما خلا جسدٌ من حسدٍ، لكنَّ اللئيمَ يُبديه، والكريمَ يُخفيهِ، وقد قيل للحسنِ البصريِّ: أيحسدُ المؤمنُ؟ فقال: ما أنساكَ إخوةَ يوسفَ؟! ولكن عَمِّه في صدرِك -أي: اكتمْه في صدرِك- فإنّه لا يضرُّك ما لم تَعْدُ به يدًا ولسانًا".
وإنَّ من أعظمِ ما يُعينُ المؤمنَ على الخلاصِ من هذا الداء أن يقفَ على حقيقةِ ما انطوى عليه من أضرارٍ نفسيّةٍ، ومحاذيرَ شرعيّةٍ، وما يترتّب عليه من عقوباتٍ أُخرويّةٍ؛ فالحاسدُ يزدادُ همًّا وغمًّا، كلما ازداد عبادُ اللهِ نعمةً وفضلًا؛ (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران: 119-120].
والحاسدُ يُعارضُ اللهَ -تبارك وتعالى- في مشيئتِه وإرادتِه، ولو لم يشعرْ، فلسانُ حالِه يقول: يا ربّ لِمَ أنعمتَ على فلانٍ؟! (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[الزخرف: 31-32].
وفحوى الحسدِ أن الحاسدَ أعلمُ بخلقِ اللهِ، وما يستحقونَه من الخيرِ من اللهِ؛ (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[الأنعام: 124].
ومما ينبغي أن يعلمَه من ابتُليَ بهذا الداء أنّه لن يُغيّر من أمرِ اللهِ شيئًا، ولن يحولَ بين فضلِ اللهِ وبين عبادِه؛ (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2]، وقال -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 17-18]، وأنه مؤاخذٌ على ما استقرّ من ذلك في قلبِه، محاسبٌ على ما استمرأته نفسُه الأمّارةُ بالسوءِ؛ (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 284]، وأنّ الحسدَ من أعظمِ ما يأتي على حسناتِ العبدِ فيمحوها ويزيلُها، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيّاكم والحسدَ؛ فإنّ الحسدَ يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ"(أخرجه أبو داود وغيره).
عبادَ اللهِ: وليس من هذا البابِ أن يتمنّى العبدُ ما عند الغيرِ من الخيرِ والنِّعمِ، من غير أن يتمنّى زوالَها عنه، فتلكم الغبطةُ كما قال أهلُ العلمِ، وهي المقصودةُ بالحسدِ في مثلِ قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "لا حسدَ إلّا في اثنتين: رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فسلّطه على هلكتِه في الحقِّ، ورجلٌ آتاه اللهُ حكمةً فهو يقضي بها، ويعلّمُها"(أخرجه البخاري ومسلم).
ألَا فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- وليحرصْ كلٌّ منَّا على تزكيةِ نفسِه، وأَطْرِها على محبّةِ الخيرِ لعبادِ اللهِ، وليحذرْ من الاتصافِ بهذا الخُلُقِ الذميمِ، والوصفِ القبيحِ الذي يقفُ وراءَ أكثرِ العداواتِ، وأغلبِ النزاعاتِ، وعامّةِ المقاطعاتِ، بين الأفرادِ والأسرِ والجماعاتِ، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[الفلق: 1-5].
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدانا لهذا وما كُنَّا لِنَهتديَ لولا أن هدانا اللهُ، نَحمدُه -سبحانه وتعالى- ونَشكرُه على آلائِه ونِعَمَه، ونعوذُ به ونستغفرُه من كلِّ ذَنبٍ وبَلوى، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه ومصطفاه، وعلى آله وصحبِه ومَن استنَّ بسنَّته واقتفى أثرَه واتَّبع هُداه.
أمَّا بعد، فيا عبادَ الله: علاجُ هذا الدَّاء أن يَتعوَّذ المؤمنُ من شرِّ نفسِه، كما كان هَديُه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يَدعو ربَّه أن يَهدِيَه لأحسنِ الأخلاق، وأن يَصرِف عنه سيِّئَها، ففي صحيح مسلم أنَّه كان من دعائِه -صلى الله عليه وسلم-: "وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ".
وأن يَسألَ المؤمنُ ربَّه أن يُطهِّر قلبَه نحوَ إخوانِه المسلمين، كما كان حالُ السَّلف -رضي الله عنهم-؛ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10].
وأن يُروِّض نفسَه على محبَّة الخير للغير، ويدعو لهم بالمزيد، ويتصبَّر على ذلك ويُجاهد؛ فإنَّه بالِغٌ ذلك لا محالة، فعن أبي الدَّرداءِ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهْ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهْ"(أخرجه الطبراني).
وأن يَحرص على مرافقة الأخيار، المتقين الأطهار، الذين مجالستُهم مَكسب، ومرافقتُهم مَغنم، وعلى البُعدِ عمَّن همُّه تتبُّع أحوالِ الناس، وتقصِّي أمورِهم، وتعدادِ نِعَمِهم؛ فإنَّ ذلك ممَّا يُنغِّص على المرء سعادتَه، ويُكدِّر عليه صفوَه، وقد يكون لبعضِهم فِتنةً وهو لا يدري، قال -سبحانه-: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه: 131].
ثم صلُّوا وسلِّموا على خيرِ خلقِ اللهِ، محمدِ بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربُّكم فقال -جلَّ في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدِّين، وانصرْ عبادَك الموحِّدين يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّسْ كَربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللَّهُمَّ أطِلْ عمرَه في صحَّةٍ وعافيةٍ، ونِعمةً سابغةً ضافيةً، اللَّهُمَّ وفِّقْه ووليَّ عهدِه الأمين لِما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، وعِزٌّ للإسلام والمسلمين يا ربَّ العالمين.
اللَّهُمَّ احفَظ جندَنا المرابطين على الحدودِ والثغور، اللَّهُمَّ احرُسْهم بعينِك التي لا تنام، واكنُفْهم بركنِك الذي لا يُرام، يا ذا الجلالِ والإكرام.
اللَّهُمَّ عليك باليهود الغاصبين، الصهاينةِ المعتدين، يا ربَّ العالمين.
اللَّهُمَّ اهدِنا لأحسنِ الأخلاق، لا يَهدي لأحسنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنَّا سيِّئَها، لا يصرِف عنَّا سيِّئَها إلَّا أنت، ووفِّقْنا لما تحبُّه وترضاه.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم