عناصر الخطبة
1/نجاح الحج وعودة الحجاج إلى ديارهم سالمين 2/شكر الله على نعمة إتمام الحج 3/التذكير بنعم تستوجب الشكر 4/بيان حقيقة الشكر 5/من شكر الله شكر المحسنيناقتباس
الشاكر من لا يرى في الدنيا إلا تجليات المُنعم -سبحانه-، ولا يجد في قلبه إلا نبضات الحمد، هو من يرى في كل نبضة حياة، وفي كل نسمة هواء، وفي كل قطرة ماء، وفي كل لقمة عيش، يدَ الجود الإلهي الممدودة، وعطاء الله الذي لا ينقطع...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ علما، نحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- عَلَى نَعْمَائِهِ ونَزِيدُهُ شُكْرًا، وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ، دَعَا إِلَى اللهِ سِرًّا وَجَهْرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بعد: فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَحَقِّقُوا عُبُودِيَّتَهُ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا تَرَوْنَهُ فَإِنَّهُ يَرَاكُمْ؛ (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة: 231].
مَضتْ أيامٌ مشهودةٌ، ومواسِم مذكُورة، فازَ فيهَا أَقوامٌ مغفرَةَ الذنوبِ، وحازَ فيها رجالٌ رضا علَّامِ الغيوبِ، مضتْ تلك الأيَّامُ بخيرهَا وخيراتِهَا، وَبِرِّهَا ومنافعِهَا، أغلقتْ معهَا مدرسَةُ الحجِّ أبوابَهَا، ليعُودَ فيهَا من عادَ بوجهٍ جَديدٍ، وروحٍ مُشْرِقةٍ، وصفحةٍ بيضاءَ، في رحلةٍ إِيمانِيَّةٍ من أَروعِ الرِّحلاتِ العُمْريَّةِ.
مضتْ أيامٌ تحمل في طياتها أسمى معاني العبودية وأجلّ صور القرب، بالأمس القريب كانت القلوب تهفو شوقًا، والأرواح تتوقُ ولهًا، إلى تلك البقاع الطاهرة، وإلى تلك الشعائر العظيمة، عادَ ضيوفُ الرحمنِ وقد عجَّتْ ألسنَتُهُمْ بالتَّلبياتِ، وقلوبهم بالشكر لذي الجلال والإكرام على ما أنعم ويسر، عَادُوا فَرِحينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فضلِهِ، مُستبشرينَ بِما مَنَّ عليهِمْ مِنْ توفِيقِهِ، وحجِّ بيتِهِ؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
ويا هناء لكل مسلمٍ قضى تلك الأيام الفاضلات متنقلا بين رياض الطاعات والقربات، فقد دعوتُمْ رَبًّا عظِيمًا، ورجوتُمْ بَرًّا كرِيمًا، لا يتعاظمُهُ ذنْبٌ أَنْ يغفِرَهُ، ولا فضلٌ أَنْ يعطِيَهُ، منكم من صام وشهد العيد وضحى، ومنكم من حج ووقف ولبى، وكلهن قربات لله ترفع العبد، وتغفر الذنب، وتقرب من باب الجنة ورضا الرب، فعطاءُ اللهِ أعظَمُ مِن آمالِكُمْ، وجُودُهُ أوسَعُ مِن مسأَلتِكُمْ؛ (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ)[القصص: 67].
وبعد أن مَنَّ اللهُ علينا بتمام النعمة وإكمال المنة، تفيضُ الألسنُ لله حمدًا، وتَرتلُ القلوبُ للمنعمِ شكرًا.
لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلَا *** لك الملكُ تُؤتي من تشاء وتفعلا
لك الحمد أن بلّغتنا موسمَ الهدى *** وألبستنا سترًا من العفو مقبلا
فَـلَا تَحْــرِمْنَا يَا إِلَهِي حَجَّـــةً *** نَعُودُ بِهَا شَوْقًا وَنَنْسَى السُّقْمَا
الشكر جنى القلوب وروح القبول، فما قيمة النعم وما أثرها إن لم تقترن بـشكرٍ عميق، يلامس شغاف الروح؟!.
إن أعظم الشكر وأوجبه أن تشكر الله -جل جلاله-، وتحمده -سبحانه- يوم أن هداك لهذا الدين، وضل فئاماً عن الصراط المستقيم؛ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43].
تشكر الله يوم أن عافاك فشهدت العيد، وغيرك في المشافي يسمعون بالعيد ولا يرونه، تشكر ربك أن أرغد عيشك وآمنك في بلدك، بينما من حولك إما جوعٌ يحاصرهم، أو عدو يقصفهم؛ (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)[مريم: 65].
الشكر هبةٌ من الله، ومنحةٌ لا تُقدر بثمن، الشكر شعورٌ يتغلغل في كل خلية، الشكر هو أن تعلم أنك قد وُفّقت للقيام، وللصيام، وللتلاوة، وللصدقة، والحج والإحسان في حين حُرم آخرون؛ (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13]، الشكر هو أن تشعر بالامتنان لأن الله اصطفاك؛ لتكون من زمرة الذاكرين في أوقات الغفلة، ومن صفوف القائمين حين ينام الناس.
الشاكر من لا يرى في الدنيا إلا تجليات المُنعم -سبحانه-، ولا يجد في قلبه إلا نبضات الحمد، هو من يرى في كل نبضة حياة، وفي كل نسمة هواء، وفي كل قطرة ماء، وفي كل لقمة عيش، يدَ الجود الإلهي الممدودة، وعطاء الله الذي لا ينقطع، وإنعامه -سبحانه- في الليل والنهار.
الشاكر هو من تطمئن روحه رضًا بما قُسم، وتنطق جوارحه امتنانًا لما وُهب، يتأمل في المحنة منحة، وفي البلاء رحمة، فيوقن أن كل أمر المؤمن خير، وأن ما أتاه هو عين اللطف والتدبير؛ "إنْ أَصابتْهُ سرَّاءُ شكَرَ فكانَ خيرا له، وإنْ أصابَتْهُ ضراءُ صبَر فكان خيرا له".
يرى في كل صباح تجددًا لعطاء عظيم، وفي كل مساء ختامًا لفضل عميم، لسانه يلهج شاكرًا ومسبحًا، حامدًا ومكبرًا، يرتل في قلبه ولسانه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 34]، عاملاً بجوارحه (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7].
وهذا نداءٌ من ربنا: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172].
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
وشكرُ ذوي الإحسانِ مَكْرَمَةٌ *** تُثري القلوبَ محبةً وإنعاما
ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فالدعاء مبذول، والشكر موصول، لكل من بذل وسعى لخدمة وتيسير أمور الحجاج، وفي الدعاء المأثور: "اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ".
والنفوس الكبيرة تحفظ المعروف كما تحفظ الروح، ترى في الشكر واجبًا، وفي ردّ الجميل شرفًا.
فَشُكرُ ذَوي الإِحسانِ زادُ أُولي التُّقى *** وفيهِ صفاءُ النفسِ والعقلِ يُختَمُ
فاللهم لك الحمد نعمك علينا تترى، وآلائك لا تعد ولا تحصى، سلمت حجاج بيتك الحرام سالمين، ووقيتهم الشر وخذلت المتربصين، أسبغت على بلد الحرام وافر الإحسان، وأجزلت العطاء وجميل الامتنان، اللهم زدنا من خيرك وبرك وإحسانك، واجعلنا لنعمك شاكرين، ولأوامرك ونواهيك ممتثلين.
ثم اختموا أعمالكم بالاستغفار وكثرة الصلاة والسلام عَلَى خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ في كتابه في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم