وقلوبهم وجلة 11/4/1447

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1447/04/10 - 2025/10/02 16:44PM

الحمد لله مقلب القلوب والأبصار وأشهد ألاإله إلا الله وحده لاشريك له يخلق مايشاء ويختار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرق الناس فؤادا وأكثرهم للذكر والاستغفار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار وسلم تسليما أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون

في زمن تجد فيه قوما تتلى عليهم آيات غدوا وعشيا فلاترى في القوم تأثرا ولا أثرا

تحيط بهم الأخطار وتتوالى نذر الجبار وتنزل عقوبات الله قريبا من الديار والقوم مازالوا مقيمين على مايسخط الملك القهار

ستجد قوما مجالسهم قيل وقال وأسواقهم صخب ولغو وغش واحتيال

قوم إذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم وإذا ذكرت الدنيا إذا هم يستبشرون

في زمن تبلد فيه الإحساس وألفت المنكرات وقل المنكرون وأصبحوا في الناس غرباء ....

في زمن ترى فيه استهانة بالذنوب وضعفا في العبادة وتكاسلا عن الصلاة وغرقا في الشهوات

تعرض أمام الأنظار صور لمآسي المسلمين تقشعر لهولها الأبدان فلاتحدث عندهم شعورا بالحزن ولا البكاء ولا شعورا بالمحبة والنصرة والولاء

في زمن صار فيه للكسوف فعاليات وتجمعات واحتشاد للفرجة بلا صلاة وهو الآية الكونية التي أفزعت أعبد الناس وأتقاهم وأخشاهم لله فخرج فزعا يجر رداءه ويلبس درعا لإحدى زوجاته

في زمن ترى من فوقك شمسا كاسفة وقمرا خاسفا وعن يمينك وشمالك سيارات تنبعث منها المعازف والغناء وإذاعات وقنوات تجاهر بالغثاء ، ومقاه تغص برجال ونساء لاتسمع إلا ضحكات وسمرا ولاتجد استغفارا ووجلا

إن هؤلاء جميعا صرعى لداء خطير هو أنكى وأقسى . إنه قسوة القلوب وعدم خشوعها وخضوعها ورقتها لعلام الغيوب وإن شر ماأصيبت به النفوس وضربت به القلوب وهلكت به الأبدان هو الغفلة عن الهدى وجفاف العيون وموت القلوب فلاتتأثر بموعظة ولاتتحرك لزاجر ولاتلين عند آية وحيث إن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه لن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم وأن الويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله وأن الوعد بالجنة لمن خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب فإنه لازال بحمد الله في الأمة إيجابيون مخبتون إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا .. إيجابيون يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا .. إيجابيون إذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق .. يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون

إيجابيون مع قلوبهم يتعاهدونها بما يحييها لئلا تقسو فلا تتأثر بالمواعظ ولاتجف عيونهم من المدامع

إيجابيون يتأسون بالعظماء الأتقياء الأخفياء وفي مقدمتهم أخشى الناس وأتقاهم لله محمد صلى الله عليه وسلم والذي  إذا صلى كان لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ويأمر ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن ويلتفت ابن مسعود إليه فإذا عيناه تذرفان

إيجابيون يمثلهم الفاروق رضي الله عنه وقد قرأ في الفجر (فإذا نقر في الناقور .. ) فخر مغشيا عليه وظل على فراشه يعاد .. ويمثلهم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وقد دخلت عليه زوجه فاطمة وهو يبكي فبكت لبكائه وبكى الخدم لبكائهم وضج البيت بالبكاء وعندما سكن قالت له : ماالذي أبكاك فقال : تذكرت منصرف الناس بين يدي الله فريق في الجنة وفريق في السعير

ومن نماذجهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لهم : لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فغطوا وجوههم ولهم خنين بالبكاء

إيجابيون يدركون أن القلوب تقسو عندما تبتعد عن الأجواء الإيمانية والمجالس الروحانية وتستبدلها بمجالس اللغو والفسوق والرفث ويتذكرون ذلك العتاب الرباني ( ألم يأن للذين آمنوا ... )

ولذا فهم لايغفلون عن الذكر والتذكير وإحياء قلوبهم وترقيقها بالمواعظ مواعظ الحال كزيارة القبور أو مواعظ المقال ، بسماع أو قراءة مايلين القلوب ويرققها والتحليق في عالم  الآخرة ونعيمها وجحيمها

الإيجابيون المخبتون يدركون أن القلوب تقسو ويجف معينها حينما نركن إلى الدنيا ونغتر بأهلها ونشتغل بفضول أحاديثها .. ولذا فإنهم يوغلون في هذه الدنيا برفق .. يؤمنون أنه لن يأتيهم منها إلا ماكتب لهم ويأخذون بالأسباب  دون أن يغالبوا القضاء والقدر

إيجابيون أدركوا أن القلوب تقسو بالجلوس مع الفساق ومعاشرة من لاخير في معاشرته وما ألف الإنسان صحبة لاخير في صحبتها إلا قسا قلبه من ذكر الله ولذا فقد خضعوا لأمر الله( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا .. ) وعلى الضد ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم .. ) ومن يعيش في وسط يعج بالمعاصي ويشجع عليها ويزينها ويبررها كيف يرتجى لقلبه رقة وخشوعا

 المخبتون الخاشعون يوقنون أن القلوب تصبح قاسية  حينما تبتعد عن العلم الشرعي وعن القراءة في الكتب الإيمانية أو سماع الصوتيات الوعظية التي تحيي القلوب وتستثير الإيمان وتحرك دوافع الخوف من الرحمن ولذا فقد جعلوا جل مصادر علمهم تلك العلوم التي تورث الخشية من الله

وما قست القلوب إلا حينما انشغل قوم بالقراءة في الكتب الفكرية وأغرقوا فيها فغرقوا في مستنقع القلوب القاسية واسألوا عن حالهم مع كتاب الله واسألوا قلوبهم متى تحركت واقشعرت خوفا من الله وشوقا إليه

إنهم علموا أن القلوب تقسو حينما تنشغل الألسن بغير ذكر الله وقد جاء في الأثر ( لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي )وحينما انشغل الناس عن عيوبهم بذكر عيوب إخوانهم وإساءة الظن بهم وكثرة الحديث في مثالب فلان وأخطاء فلان ، ومن اشتغل بعيوب الناس أورثه ذلك قسوة في القلب وغفلة عن إصلاح النفس ولذا فإن هؤلاء المخبتين شغلوا ألسنتهم بذكر الله وماوالاه واشتغلوا بإصلاح عيوبهم وأعرضوا عن عيوب الآخرين فخشعت قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق

وقست القلوب حينما كثر المزاح والضحك وإن كثرة الضحك تميت القلب ولذا فإنهم لايمزحون إلا قليلا ولايقولون إلا حقا

إنهم يوقنون أن القلوب تقسو والعيون يجف دمعها كلما  كثرت الذنوب ( كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون ) وإن القلب إذا قلت خطاياه أسرعت دمعته

‎رأيت الذنوب تميت القلوب  ... وقد يورث الذل إدمانها

‎وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها

وإن الذنوب عندما تزاول كثيرا يألفها القلب فما يعود ينكرها وهذا ماخافه الإمام أبو الحسن الزيات رحمه الله حينما قال : والله لاأبالي بكثرة المنكرات والبدع وإنما أخاف من تأنيس القلب بها لأن الأشياء إذا توالت مباشرتها أنست بها النفوس ، وإذا أنست النفوس للشيء قل أن تتأثر به

إن هذه تذكرة  فمن شاء ذكره ومايذكر إلا من يخشى ولايتذكر إلا أولو الألباب ..

اقول هذا القول ..

 

 

الخطبة الثانية ... أما بعد :

وتقسو القلوب حينما تتحول مواطن الذكرى  إلى أماكن لغو ومواطن سلام وكلام فهذه المقابر التي أمرنا بزيارتها لتذكرنا الآخرة صرنا نزورها ونشيع موتانا إليها عادة ومجاملة وأصبحت المقابر أماكن تتردد في جوانبها نغمات الجوال وتسمع فيها الضحكات وتحدد فيها مواعيد المناسبات والزيارات أما الإيجابيون المنيبون فقد قال قائلهم : كنا نشهد الجنازة ولاندري من المعزّى فيها لكثرة الباكين ويقول الآخر : كنا إذا حضرنا الجنازة أو سمعنا بميت عرف فينا اياما لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيره إلى الجنة أو إلى النار

لقد أدرك المخبتون أن القلوب لاتلين إلا حينما تأخذ الكتاب بقوة وتتسم النفوس بالجدية فأخذوا بعزائم الأمور وتتبعوا الدليل وتورعوا عن المتشابه واحتاطوا لدينهم فنأوا عن غثاثات الرخص والولوغ في مستنقع المتشابهات فحققوا العبودية وتحققت فيهم معاني الاسلام من الاستسلام والخضوع لرب العالمين

المخبتون الخاشعون يستدفعون قسوة القلوب بمتابعة أحوال إخوانهم والتفاعل الإيجابي مع مآسيهم دعاء ودعوة وإغاثة ونصرة وتأثرا وغيرة ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وليسوا ممن يستكثرون على مآسي إخوانهم حتى التأمين على الدعاء

إن المخبتين القانتين يستجلبون رقة القلوب ويستدفعون قسمتها  بمعرفة الله بأسمائه وصفاته والإيمان به وبقدره ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف ولقد قال صلى الله عليه وسلم ( والله إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية ) والله جل جلاله من قبل يقول ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ... )

والمخبتون يطلبون رقة قلوبهم بقراءة كتاب الله بتدبر وتخشع وتأمل ووقوف عند أوامره وزواجره ومواعظه ( كتاب أنزلناه إليك مبارك .. ) ‎قال عثمان رضي الله عنه : لو صفت قلوبكم لما شبعتم من كلام الله ،

‎وبعد يامسلمون :إن رقة القلب وسكينته وإخباته لربه وتذلله بين يديه تعظيما وإجلالا منزلة سامقة من منازل المؤمنين تتقاصر أمامها نفوس الضعفاء ، فماأحوجنا إلى أن نقول ( بلى قد آن ياربنا ) وهو ينادينا ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله .. )وماأحوج الأمة اليوم إلى العالم الذي إذا سمع آيات الله تتلى وجل قلبه وفاضت عيناه بالدمع ووقف عند حدودها ولم يتجاوزها لهوى في نفسه أو ضعف في ثباته

‎وماأحوج الأمة اليوم إلى الداعية الذي يجتهد في التعليم والتبليغ والتربية حتى إذا جن عليه الليل وهدأت العيون نشط لمناجاة ربه والوقوف بين يديه رافعا أكف الضراعة والإخبات

‎وماأحوجنا إلى الدموع المخلصة التي تترجم صدق الإيمان وثباته واستعلاءه على أهواء البشر

‎ماأحوجنا اليوم إلى أن نسعى في رقة قلوبنا وإزالة هذه الغشاوة والقساوة التي علت وطغت عليها حتى صدتنا عن ربنا وأنستنا آخرتنا فإلى الله تعالى نشكو ضعفنا وعجزنا وقسوة قلوبنا

‎اللهم هب لنا من لدنك قلوبا خاشعة وعيونا من خشيتك دامعة ونعوذ بك اللهم من عين لاتدمع وقلب لايخشع

‎الله صل وسلم ,,, 

 

المرفقات

1759412695_خطبة قلوبهم وجلة.doc

المشاهدات 616 | التعليقات 0